ويرافقونه حتى النشور ، وعند ما يبعث الناس الى ربهم في صحراء المحشر (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) ، (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها) ، (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) ، هنالك يتقدم ملائكة الرحمة لمرافقة المؤمنين الى ربّهم.
(وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ)
لقد زهدوا في الدنيا وشهواتها ، فعوّضهم الله بنعيم الآخرة ، وإذا كانت شهوات الدنيا مشوبة بالآلام ، ومشحونة بالمصائب والنكبات ، وهي سريعة الزوال ، فإنّ نعيم الآخرة التي تشتهيها نفوسهم صافية لا زوال لها.
بلى. إنّ الدنيا والآخرة ضرّتان ، فمن رغب في الآخرة زهد في الدنيا ، ومن أذهب طيّباته في هذه الحياة الزائلة ، فسوف لا يجد نعيما في تلك الحياة الأبديّة.
لقد رئي على إمام المتقين عليّ بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ إزار خلق مرقّع ، فقيل له في ذلك ، فقال :
«يخشع له القلب ، وتذلّ به النفس ، ويقتدي به المؤمنون ، إنّ الدنيا والآخرة عدوّان متفاوتان ، وسبيلان مختلفان ، فمن أحبّ الدنيا وتولّاها ، أبغض الآخرة وعاداها ، وهما بمنزلة المشرق والمغرب وماش بينهما ، كلّما قرب من واحد بعد من الآخر وهما بعد ضرّتان» (١)
(وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ)
الدنيا دار السعي ، والآخرة دار الجزاء ، وفي الدنيا لا يمكن أن تتحقّق كلّ أماني
__________________
(١) نهج البلاغة / خطبة (١٣٠) .