ثم يستخدم حكمته في اختيار السبيل الأحسن ، ذلك أنّ التدبير وحسن الإدارة في الدعوة إلى الله ذوا أهمية كبيرة ، بالرغم من صعوبتهما البالغة ، إذ أنّ حسن الإدارة بحاجة إلى علم غزير ، وتفكّر مستمر ، ومقدرة فائقة في تنفيذ المهام ، مثلا يستدعي التدبير ـ عادة ـ الكتمان ، واتباع السبل الخفيّة في العمل على ما نحمل من مشاق كبيرة ، ولكن أنّى كانت الصعاب فإنّ الكتمان وسيلة هامّة لإنجاح مهام الدعوة. أو لم يقل الرسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ :
«استعينوا في أعمالكم بالصبر والكتمان»؟
وهنا نعرف عمق تفسير أهل البيت ـ عليهم السّلام – حيث جاء في الحديث المأثور عن الإمام الصادق ـ عليه السّلام ـ :
«إنّ الحسنة التقيّة ، والسيئة الإذاعة» (١)
ثم إنّ طموح الداعية عال حيث لا يسعى الى تجنّب أذى العدو ، بل إلى جعله وليّا حميما له. إنّه يسعى أبدا لكسب الناس لدعوته.
[٣٥] إنّها القمّة السامقة في الخلق الرفيع ، لن يبلغها إلّا من تميّز بأمرين : الصبر والحلم.
(وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا)
فمن تجرّع مرارة الصبر أوتي الخلق الرفيع. والصبر في جملة معانيه التطلّع الى المستقبل ، ومعايشة أحداثه ، بتجاوز اللحظة الراهنة.
وهناك علاقة قريبة بين الصبر والعلم ، فمن أحاط معرفة بالمستقبل ، وطبيعة سير
__________________
(١) مجمع البيان / ج (٥) ـ ص (١٣) .