وقال المفسّرون : إنّ تفطّر السموات بسبب هبوط الوحي عبرها ، كما قال ربنا : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ)
وقال بعضهم : بل بسبب صعود أنباء شرك الناس من خلالها ، كما قال ربّنا : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً)
ويبدو لي أنّ الأهم من كلّ ذلك عظمة الله وخشية عقابه ، فهي التي تكاد السموات يتفطّرن منها ، وتسبّح بحمده وتعبده ، وإن كنّا لا نرى ذلك أو نسمعه.
(وَالْمَلائِكَةُ)
وهم القوى العاقلة التي تشرف على جميع الأجرام السماوية والأنظمة والسنن الكونية تراهم يخشعون أمام جبروت الله وعزّته ، ويقدّسونه وينزّهونه عما لا يليق به ، ويتمّ التسبيح بما أعطاهم الله من نعمة الهداية ومن التوفيق للتسبيح ، ولعلّ هذا أحد معاني «بحمده» فإنّ معرفة الله لا تكون إلّا بذاته ، وكمال معرفته تنزيهه عن الشريك والشبيه ، وهو معنى التسبيح الذي لا يبلغه العبد إلّا بحمد الله ، أي بما يوجب الحمد من نعم الرب ، وتوفيقه ، ويعطي هذا التركيب «بحمده» معنى المقارنة أيضا ، لأنّ ربّنا تعالى هو كما جاء في الدعاء :
«يا من هو في شرفه عزيز ، يا من هو في عزّه عظيم ، يا من هو في عظمته مجيد ، يا من هو في مجده حميد» (١)
فهو في عين علوّ مقامه وقدسه ومجده وغناه حميد له الحمد كلّه والمحامد جميعا ، لأنّه تعالى شأنه لم يترك الخلق وشأنهم بل تعهّدهم بفواضل نعمائه وسوابغ آلائه ،
__________________
(١) مفاتيح الجنان / دعاء الجوشن الكبير / ص (٩١) .