ولكي يقاوم الإنسان هذا الضغط يحتاج الى قوة نفسية كبيرة حتى لا يخشى من المستقبل بتطبيق الحق ، وهذه القوة يستمدّها المؤمن من التوكّل على الله والعودة إليه.
ثم إنّ التسليم لولاية الله يقتضي مواجهة الحكومات الظالمة ، وهي بدورها بحاجة الى استقامة عبر التوكّل على الله.
[١١] ويعالج القرآن الاختلاف من زاوية أخرى حينما يذكّرنا بأنّه من طبيعة الحياة ، التي تأبى اللون الواحد ، الأمر الذي يجعل الإنسان غير قادر على صبغها كلّها لمزاجه وطبيعته الخاصة ، ولكنّه عبثا يسعى لبلوغ هذه الغاية ، فترى البعض يريد التحدّث لكلّ الناس بلغته القومية ، أو أن يقلّدوا عاداته ، فإذا لم يستجيبوا له أبغضهم ، فالرومان صاروا يسمّون غيرهم بالبرابرة أي المتوحشّين ، واليهود اعتبروا أنفسهم الشعب القارئ بينما اعتبروا الآخرين أمّيّين لا يفقهون شيئا ، أمّا مدّعي الحضارة الحديثة فإنّهم يعتقدون بوحشية الشعوب غير الآريّة.
هذه من طبيعة الإنسان فهو يريد العالم كلّه لونا واحدا هو لون شخصيته وتطلّعاته ، والقرآن يؤكّد هنا الاختلاف الطبيعي في الحياة ، ويذكّر الإنسان بعجزه عن رفع أقرب الاختلافات إليه ، وهو اختلافه مع زوجته.
ولكنّ القرآن الكريم يقرّر مبدأ الاختلاف بين حقائق الخلق ، وعلينا الاعتراف به ، والتعرّف على حكمة الله فيه ، والسعي وراء تلك الحكمة ، وحكمة الاختلاف التكامل ، وليس الصراع ، فلقد جعل الله البشر شعوبا وقبائل بهدف التعارف (وليس التدابر والتباغض) ، وخلق الزوجين الذكر والأنثى ليتكاملا ، ولعلّ هذا أبرز أمثلة الاختلافات الفطرية.
(فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً)