لاختيار وسائله الكفيلة بتحقيق مصالحه ، ولا يهمّه بعد ذلك لو ترك الدين جانبا ، والآية الأولى من هذا الدرس تؤكّد أنّه قد سبقت كلمة تقضي بتأجيل الحسم في الخلافات ، وأنّ ذلك لا يدل على التفويض أو الإهمال ، من قبل الله! بل مجرّد إعطاء فرصة للابتلاء ، ولو لا ذلك لكان يأخذ الظالمين أخذ عزيز مقتدر.
ويعتمد الاختلاف على أرضية الشك بالقيم الحقيقية المتمثّلة في الكتاب ، ولذلك لا تختلف الأمم حين تعتمد الكتاب محورا لوحدتها ، ومرجعا لخلافاتها وصراعاتها ، ولكنّها حينما تفقد الإيمان بالكتاب ، وتبحث عن مصالحها على حساب الآخرين ، تتنامى صراعاتها ، لأنّ الضمانة التي تحجز عن دفع الصراعات نحو التطرّف هو الإيمان بالقيم والاعتصام بحبل الله ، وإلّا فما أسرع تأثّر البشر بالأحداث الاجتماعية والسياسية من حوله ، فهو وبسبب نفسه الأمّارة بالسوء يسعى للتطرّف في الردّ على من يخطئ عليه أو يقصّر تجاهه ، وفي قوله تعالى : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) إشارة صريحة لهذه الطبيعة في الإنسان ، وإنّما يستطيع أن يتجاوزها باليقين والاستقامة ، فلا تدفعه الأهواء ولا الدعايات الضالة الى المواقف المتطرّفة تجاه الآخرين ، وهذا أمر صعب أن يقول الإنسان الحق سواء كان معه أو ضدّه ، وهذا ما أمر به الله نبيّه (ص) أن يعدل بين الناس ، لأنّ العدل ينتهي في الأخير الى صالح الإنسان ، ثم إنّ كلّ فرد مسئول أمام الله عن أعماله في الحياة ، فلا داعي إذن لفرض أحد آرائه على أحد ، فالكل يتحمّل مسئولية عمله ، ويتلقّى جزاءه.
ثم يؤكّد القرآن بأنّ الله لا يهمل الصراعات الى الأبد ، وإن كان سبحانه لا يتدخل فيها بصورة مباشرة ، فيد الغيب تتدخّل الى جانب الحق في الوقت المناسب لتدحض حجة الباطل ، ولكن متى يكون ذلك؟ حينما تهبط الرسالة يؤمن بها مجموعة من الناس ، ويلتفّون حول صاحبها ، بينما يخالفهم فريق آخر