الى العباد من وجه يدقّ إدراكه ، وذلك في الأرزاق التي قسّمها الله لعباده ، وحرف الآفات عنهم ، وإيصال السرور والملاذّ إليهم ، وتمكينهم بالقدرة والآلات. (١)
ويبدو لي أنّ معنى اللطيف أنّه تعالى يدبّر شؤون خلقه بدقّة ويسر وتنوّع حكيم الى حدّ قد يسير الإنسان في تطبيقها بدوافع لا تبدو واضحة له ، كما أشار القرآن الى ذلك بقوله : (وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) (٢)
والكثير من الناس يخططون لأنفسهم ، ولكنهم عند تطبيق ما رسموه يكتشفون عقبات جديدة لم يحتسبوها ، بينما يأتيهم ما تمنّوه سعيا من حيث لم يحتسبوا ، مما يدلّ على أنّ ما يدبّره الربّ من شؤونهم أكبر بكثير مما خوّل إليهم منها.
وهذا من آيات لطف الله في تدبير الأمر ، وإليه أشار الإمام علي (ع) :
«عرفت الله سبحانه بفسخ العزائم ، وحلّ العقود ، ونقض الهمم» (٣)
ومن تدبّر حياة الناس وجد الكثير ممن يتمنّون مستقبلا معيّنا ينتهون الى غيره ، فالذي قدّر أن يصبح مهندسا أضحى عالما بالدين أو تاجرا ، لأنّ الله لم يجعل رزقه إلّا في هذه المهنة أو تلك ، فلما ذا يختلف الناس إذن ، ويشعلون نار الصراعات بينهم من أجل لقمة العيش التي يقدّرها الله؟!
(يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ)
وما دام الرزق مضمونا من عند الله فلما ذا اكتساب الموبقات ، وابتداع المذاهب
__________________
(١) مجمع البيان / ج (٩) ص (٢٧) .
(٢) لقمان / (٣٤) .
(٣) نهج / حكمة (٢٥٠) ص (٥١١) .