وأخرج الخطيب عن طريق أبي الضحى عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت : أتى العباس بن عبد المطلب رسول الله (ص) فقال : يا رسول الله إنّا لنعرف الضغائن في أناس من قومنا من وقائع أوقعناها ، فقال :
«أما والله إنّهم لن يبلغوا خيرا حتى يحبّوكم لقرابتي. ترجو سليم شفاعتي ولا يرجوها بنو عبد المطلب؟!» (١)
ويتساءل البعض : كيف طلب رسول الله على رسالته أجرا ، أفلم تكن له أسوة بسائر الأنبياء ـ عليهم السلام ـ الذين اتفقت كلمتهم على ألّا يطالبوا أممهم بأجر ، قال الله سبحانه على لسان أكثر من نبي : (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) . (٢)
وقد حدى هذا الاعتراض ببعض الرواة الى تغيير التفسير السابق الى تفاسير أخرى ، بعضها بعيدة عن قيم الرسالات الإلهية.
ولكن إذا عرفنا أنّ الإسلام هو آخر تجلّ لنور الرسالة ، وأنّه كان بحاجة الى قيادة شرعية نابعة من قيمه الربّانية ، تحافظ عليه من زيغ المترفين ، وإلحاد الطغاة ، وضلالة الجاهلين ، وأنّ الله الذي أحكم تدبيره في خلقه قد اختار لرسالته من يحمل مشعلها من أهل بيت الرسول كما اجتبى من آل إبراهيم وآل يعقوب من يحمل مشعل الرسالة من بعدهما ..
إذا عرفنا كلّ ذلك فإنّنا نهتدي الى الحكمة البالغة وراء جعل المودة في القربى أجرا للرسالة ، إذ أنّ الهدف منها ولاء القيادة الشرعية التي تحمل مشعل الرسالة ، فمن أراد أن يشكر رسول الله على الأذى الكبير الذي يتحمّله من أجل تبليغ الرسالة
__________________
(١) الدر المنثور في التفسير بالمأثور / ج (٦) ص (٧) .
(٢) نجد ذات الآية مكرّرة في سورة الشعراء ، في الآيات : (١٤٩ ، ١٢٧ ، ١٤٥ ، ١٦٤ ، ١٨٠) .