فعن الشرط الأوّل نقول : من الذي يهب لنا العقل والعلم؟ من الواضح أنّ العلم بوسائله القديمة والحديثة عجز عن إصلاح ألياف المخ التي تتلف ، فكيف يعطي الإنسان نورا؟ كما لا يزال الجنون لغزا أمام الطلب والعلم البشري إلّا بعض أنواعه البسيطة ..
كما أننّا نمرّ في حياتنا بعهود ثلاثة يتضح لنا من خلالها أنّ العقل والعلم من عند الله عزّ وجل ، ففي عهد الطفولة يولد الإنسان وهو لا يعلم شيئا (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (١) ، وفي عهد القوة عند ما يكون المرء في عزّ شبابه ، وحيث قواه العقلية والجسمية والنفسية في أوج قوتها ، لا يكتشف إلّا بعض الأمور ، وقد يفقد علمه بالنسيان وعقله بغلبة الغضب ، ثمّ يبدأ مسيرته المنتكسة علميّا وجسميّا ونفسيّا ، فإذا به ينقص علمه (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ) (٢) .. ومن الأمور التي تتكرّر لكلّ بشر في جانب العلم من حياته أنّه قد تبدو له بعض الأمور واضحة ولكنّ عقله يعجز عن استيعابها وإذا به يلهمها إلهاما ، وإلى هذه الحقيقة يشير أكثر المفكّرين والمبتكرين في كلامهم عن كيفية وصولهم الى المعرفة ، وإن كانت مذاهبهم تختلف في تفسير ماهيّة الإلهام ومصدره.
وفي النصوص الإسلامية نجد بيانا لحقيقة العلم ، ففي سورة العقل نقرأ : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) (٣) إذن فالقراءة وهي إحدى طرق العلم والمعرفة لا تكون إلّا بالله الذي يتكرّر ذكر اسمه في أوّل كلّ سورة تذكيرا بذلك ، والحديث
__________________
(١) النحل / (٧٨) .
(٢) يونس / (٦٨) .
(٣) العلق / (١ ـ ٥) .