ويضرب القرآن مثلا على ذلك بقصة إبراهيم (أوّلا : لأنّ أبرز ما في رسالته تحدّيه لعادات السابقين ، ابتداء من أبيه وانتهاء بقومه ، وثانيا : لأنّه من أولي العزم الذين يذكرون في هذه السورة باستثناء واحد منهم وهو نوح (ع)) .
وإذا كانت الجاهلية العربية تعتمد على عقائد آبائها ، فإنّ أعظمهم إبراهيم ، رائد التوحيد ومحطّم الأصنام. ألا يتبعونه وقد جعل رسالة التوحيد كلمة باقية في عقبه؟ كلّا .. إنّهم يتبعون أهواءهم لا آباءهم ، وقد غرّتهم متع الدنيا عن اتباع الحق حتى نسبوا الرسول (ص) الى السحر (١٥) .
رابعا : تقييم الحقائق بالمقاييس المادية ، فقد قالوا : لو لا أنزل الكتاب على واحد من العظيمين في الطائف ومكة؟ ونهرهم الله : هل هم الذين يقسمون نعم الله؟ كلّا .. الله هو الذي قسم بينهم معيشتهم ، وجعلهم يتفاضلون في الأمور المادية ، لا لقيمة لهذا عنده أو هوان لذاك ، بل لتنتظم الحياة الاجتماعية ، ويحتاجون الى بعضهم ، ويتعاونون فيما بينهم ، أمّا النعمة الكبرى فهي رحمة الله ، لا المال الذي يكدّسونه.
وما أتفه الدنيا عند الله ، فلو لا أن يصعب على المؤمنين لجعلها كلّها للكفّار ، لأنّها بالتالي متاع. أمّا الآخرة التي هي الحيوان فهي للمتقين وحدهم.
خامسا : قرناء السوء الذين يزيّنون للإنسان سوء عمله ليراه حسنا ، وإنّما يقيّض الله قرين السوء من الجنّ والإنس لمن يعش عن ذكر ربّه ، (أمّا من يتذكّر فإنّه يبصر الحقائق ، لأنّ الشيطان يتهرّب من ذكر الله) ويقوم الشيطان بصدّ التارك لذكر الله عن سبيل الهدى ، وتزيين الضلالة له ، وإنّما ينتبه لدور الشيطان في إضلاله حين يأتي ربّه ، فيقول له : (يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ) . وماذا ينفع التبرّي منه يومئذ ، لأنّهما في العذاب مشتركين بسبب ظلمهما.