(وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ)
والشفيع هو الوسيط الذي يعرف الشخص ويقضي حاجته عند الآخرين ، وقد تعوّد الظلام في الدنيا على التوسّل بالشفعاء في بلوغ مآربهم وحلّ مشاكلهم ، ولكنّهم في الآخرة لا يجدون الى الشفعاء سبيلا ، لأنّ الذين اعتمدوا عليهم من أئمة الظلم هم بدورهم يريدون من يشفع لهم ، ولو افترضنا أنّ أحدا صالحا أو طالحا تحمّل هذه المسؤولية وحاول الشفاعة للظلمة فإنّه لا ينفعهم شيئا ، إذ لا تعتبر الشفاعة عند الله للظلمة إنّما تنفع من تكون مسيرتهم العامة في الحياة سليمة ، فتأتي الشفاعة لترفع عنهم تبعات الذنوب الجزئية.
فقد روي عن الإمام موسى بن جعفر ـ عليه السلام ـ أنّه قال : ما من مؤمن يرتكب ذنبا إلّا ساءه ذلك وندم عليه ، وقد قال النبي (ص) : «كفى بالندم توبة» ، وقال : «من سرّته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن» ، فإن لم يندم على ذنب يرتكبه فليس بمؤمن ، ولم تجب له الشفاعة وكان ظالما ، والله تعالى يقول : (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) (١)
هكذا نعرف أنّ الشفاعة إنما هي للتائبين الذين تسوؤهم سيئاتهم فيندمون عليها ، وكفى بالندم توبة.
وحيث أكد ربّنا على أنّ الشفاعة لا تنفع الظالمين ، لأنّهم إنّما اعتقدوا بالشركاء وبشفاعتهم ليتهربوا من المسؤولية ، فأراد الله بذلك تأكيد المسؤولية عليهم ، ونفي هذه الذريعة التي يتوسّل بها البعض لاجتراح الجرائم.
[١٩] ويمضي السياق مؤكدا مسئولية البشر بأنه تعالى يحصي عليه كلّ شيء ،
__________________
(١) المصدر ص ٥١٧.