إنقاذهم منها فلم يشأ ، كلّا .. إنّ الله آتاهم فرصة الهداية ، ووفّر لهم عواملها ، وشاءت حكمته أن يلقي بمسؤولية الإختيار عليهم ، فإن اهتدوا بلغ بهم الكمال ذروته ، وإن ضلّوا سقطوا في قعر الهاوية ، لأنّ تلك وهذه إنّما تتمّ بإرادتهم.
وقد قلنا في بداية هذا الدرس أنّ هذه فكرة قدريّة جبريّة هدفها تبرير واقع الإنسان المتخلف ، وتلقي بمسؤولية الهداية على الله.
وقد أشار السياق الى سفاهة مجمل تصوّراتهم ، فهم جهلوا مقام الخالق فجعلوا له من عباده جزء ، ولو عرفوا شيئا من معنى الخلق والإنشاء وإحاطة الرب قدرة بكلّ شيء ، وأنّ أمره بين الكاف والنون من كلمة (كن) وفي لحظة إرادة يبتدع ملايين المجرّات ..
أقول : لو عرفوا شيئا من ذلك لسفّهوا أنفسهم ، ولم يزعموا أنّ له مراتب وجوديّة يتنزّل عبرها ليكون جزء منه في مخلوقاته ، سبحان الله وتعالى عما يقولون علوّا كبيرا.
ولو عرفوا أنّ مهام الملائكة مهام صعبة لا تليق بالنساء الناعمات ، فمن مهامهم اقتلاع قرى لوط عن أعماقها ثم قلبها وتدميرها ، ومن مهامهم بيان أعظم الحقائق وأدقّها ، ومخاصمة المبطلين ، فكيف تليق بمن ينشّأ في الحلية ، ولا يفصح في الجدال؟!
لو عرفوا ذلك لما زعموا أنّ الله اصطفى البنات على البنين.
ولو عرفوا قرب الملائكة من الله ، ومدى كرامتهم عنده ، لأنّهم لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ، لما عادوهم وضربوا لهم المثل السيء الذي رفضوه لأنفسهم حين قالوا أنّهم إناث.
كلّا .. إنّهم عباد الرحمن الذي وسعت رحمته كلّ شيء ، وما داموا عبادا فهم