علما بأنّه من دون التطهّر من حبّ الدنيا لا يخلص توحيد الإنسان ، بل يظل يخلط عملا صالحا وآخر سيّئا ، بل يشوب نيّته نزغات شيطانية حتى في الصالحات من أعماله ، لا يخلص ـ مثلا ـ لقيادة الحق إلّا عند ما توفّر له متاع الحياة الدنيا ، فإذا محّص بالبلاء أنهار في وادي الشرك.
الإجابة تتلخّص في كلمة ذكر الله ، فيه تفيض النفس سكينة ، والقلب اطمئنانا. إنّه النور الذي يهزم ظلام الجهل والوسوسة والغفلة عن الفؤاد ..
فعند ما تعصف وساوس الشيطان بالنفس ، وتتلاحق عليه نزغاته وهمزاته ، لا يجد الإنسان مفرّا إلّا الى الله. أو لم يقل ربّنا : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (١) وقال سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) (٢) .
ولكن البعض يعشو عن ذكر الله ، يتغافل عنه ويتجاهله ، لا يستعيذ بالله ، يستسلم لنزغات الشيطان ، ولا يتذكّر أنّه عدو مبين ، وهنالك يتمكّن منه الشيطان ، ويعيّن له الله قرين سوء من الشياطين يقوم بأمرين :
الأوّل : يمنعه من عمل الخير ، ولا يدعه يسلك سبيل الرشاد ، فيسلب بذلك توفيق الهداية عنه.
الثاني : يزيّن له سوء عمله فيراه حسنا فلا يفلح أبدا.
(وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ)
قالوا أصل العشو النظر ببصر ضعيف ، يقال عشى إذا ضعف بصره ، وأظلمت
__________________
(١) الأعراف / (٢٠٠) .
(٢) الأعراف / (٢٠١) .