فلا يؤمنون به مع أنّ شخصيته أسمى من كلّ ريب ، ولعل كلمة «يصدّون» أشربت معنى الصدّ عن سبيل الله ، وقال بعضهم : إنّ معناها يضجّون ، من الصديد وهو الجلبة ، فيكون تفسيرها : يثيرون الضجيج واللغط حول هذه الشخصية من الأفكار السلبية لكي لا يؤمنوا بعيسى (ع) ، وقد سمّى القرآن أفكار الضالّين باللغو في آيات أخرى ، كقوله سبحانه : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ) (١) .
وقد طبّقت نصوص أهل البيت ـ عليهم السلام ـ هذه الآية على أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ لأنّه كما جاء في أحاديث عديدة عن النبي (ص) أنّه شبيه عيسى بن مريم (ع) .
ولا ريب أنّ عليّا ـ عليه السلام ـ كان مثالا للقيادة الربّانية التي تمثّل قيم الوحي ، كما كان النبي عيسى بن مريم (ع) ، كما أنّ عليّا ـ عليه السلام ـ غالى فيه قوم حتى قالوا فيه مثلما قالت النصارى في عيسى بن مريم ، وقلاه آخرون حتى ساووه بمعاوية ، واقتصد فيه الصالحون.
في الحديث عن أهل البيت ـ عليهم السلام ـ عن الإمام علي (ع) قال : «جئت الى النبي (صلّى الله عليه وآله) يوما فوجدته في ملأ من قريش ، فنظر إليّ ثم قال : يا علي إنّما مثلك في هذه الأمة كمثل عيسى بن مريم أحبّه قوم وأفرطوا في حبّه فهلكوا ، وأبغضه قوم فأفرطوا في بغضه فهلكوا ، واقتصد فيه قوم فنجوا. فعظم ذلك عليهم ، وضحكوا ، فنزلت الآية» (٢) .
وللآية تفسير آخر مستوحى من نصّ ورد في نزول الآية ، نذكره فيما يلي ، علما
__________________
(١) فصّلت / (٢٦) .
(٢) جوامع الجامع ـ الطبرسي / ج (٢) ص (٥١٧) .