بأنّ تطبيق القرآن على موارد نزول آياته لا يعني تحديده بها ، فللقرآن أبعاد مختلفة وبطون شتّى تجري عليها جميعا الآيات كما تجري الشمس على السهول والجبال.
روي أنّه لما نزلت هذه الآية : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) (١) قال أحد مشركي قريش وهو (عبد الله ابن الزعبري) : هذا خاصّة لنا ولآلهتنا أم لجميع الأمم؟ فقال الرسول (ص) : «بل لجميع الأمم» فقال : خصمتك ورب الكعبة ، ألست تزعم أنّ عيسى بن مريم نبي ، وتثني عليه خيرا وعلى أمّه ، وقد علمت أنّ النصارى يعبدونهما ، واليهود يعبدون عزيرا ، والملائكة يعبدون ، فإذا كان هؤلاء في النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معهم ، فسكت النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وفرح القوم ، وضحكوا ، وضجّوا ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) (٢) .
[٥٨] (وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ)
هل آلهتنا خير أم عيسى؟
إنّهم زعموا أنّ آلهتهم خير من عيسى لأنّها تمثّل الثروة والقوّة والتقاليد المتوارثة ، بينما عيسى ـ عليه السلام ـ مثال الزهد والطهر والفضيلة.
وهم يعرفون أنّ عيسى خير من آلهتهم ، ولكنّهم لا يريدون الإذعان بهذه الحقيقة التي تنسف أساس بنيانهم الجاهلي.
(ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً)
لأنّ فطرتهم تهديهم إلى سموّ عيسى بعلمه ورسالته وبأخلاقه وفضائله عن آلهة
__________________
(١) الأنبياء / (٩٧) .
(٢) الأنبياء / (١٠١) .