تمثّل شهواتهم وعصبيّاتهم التافهة.
(بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ)
كلّما ابتعدت أمّة عن قيم الوحي كلّما ازدادت حاجتها النفسية الى الخصام والجدال ، أو ليس الإنسان يمارس الجدال من أجل دحض الحق ، كما قال ربنا : (وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ)؟ أو ليسوا قد هبطوا الى حضيض الباطل ، فلا بدّ أن يبلغوا ذروة الخصام حتى يبتدعوا لكلّ حقّ باطلا يجادلون به لدحض الحق.
هكذا قال الرسول (صلّى الله عليه وآله) :
«ما ضلّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلّا أوتوا الجدال ، ثم تلا هذه الآية» (١) .
وحسب بعض التفاسير أنّ معنى الآية : إنّ القوم قالوا ما دام عيسى ابن مريم في النار ـ لأنّه يعبد من دون الله ـ فلا بأس أن تكون آلهتهم أيضا في النار وهم معها ، ولكنّهم كانوا يعلمون أنّ عيسى ليس في النار ، لأنّه لم يكن راضيا عن عبادتهم له ، ولم يكن يدعو أحدا إلى عبادة أحد غير الله ، فما كان مثلهم بعيسى إلّا جدلا.
[٥٩] وإبطالا لجدالهم بيّن الله أنّ عيسى لم يكن إلها كما اتخذه النصارى ، ولم يدع الرسول الناس الى نفسه أن يعبد من دون الله ، إنّما كان عيسى عند القرآن عبدا مخلوقا ، وإنّما كان يميّزه عن الآخرين نعمة الوحي الذي أنزل عليه.
(إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ)
حيث انتخبه الله لرسالاته.
__________________
(١) تفسير فتح القدير / ج (٤) ص (٥٦٤) .