بينات من الآيات :
[٦٧ ـ ٦٨] يذكّرنا الربّ هنا بأمرين :
أوّلا : بمحورية التقوى في الصداقة ، لأنّها هي الباقية حقّا ، وفي يوم القيامة حيث يبحث كلّ واحد عن خليل يشفع له (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) (١) لا ينفع غير الأصدقاء في الله فليس المطلوب صداقة كيفما اتفق ، بل تلك الصداقة التي تمتدّ من الدنيا الى الآخرة ، الى أن يدخلا في الجنة بسلام.
وفي مقابل هذه الصداقة هناك صداقة لا تتعدّى حدود الزمالة أو المصلحة المشتركة ، تنتهي بانتهاء الزمالة أو المصلحة. إنّ هذه الصداقة ليست بالضرورة سيئة إلّا أنّها محدودة ، وتقوم في الغالب على أسس مادية ، وهي معرضة للاهتزاز والزوال.
وهذا جانب من النظرة الشاملة الى الحياة في الإسلام ، التي تنظم حياة الإنسان وعلاقاته على أساس التقوى ، لا على رمال متحرّكة ، فالعلاقة المادية عقيمة سواء كانت في السياسة أو الإقتصاد أو الاجتماع.
ثانيا : بمنهجية الآخرة. إذا أردنا أن نعرف صحة فكرة لا بد أن ننظر الى عاقبتها ، وعاقبة الأمور تتجلّى في الآخرة بأظهر صورها ، وعلينا أن نجعل ذلك مقياسا لعملنا في الدنيا ، فما عاقبة التقوى إلّا الجنة ، وما نهاية الخلّة الصالحة إلّا الشفاعة والتقابل على سرر في الجنة ، قد نزع الله ما في قلوبهم من غلّ ، وهكذا فإنّ أيّ علاقة لا تنفع في الآخرة فهي ليست نافعة في الدنيا أيضا ، وإنّما أنت الذي تبني لنفسك قصرا في الجنة بعملك ، أو تحجز لنفسك دركا في النار (لا سمح الله) ،
__________________
(١) الشعراء / ١٠٠ ـ ١٠١