والدنيا صورة مصغّرة عن الآخرة ، فالظلم ظلمات يوم القيامة ، والغل والغش حيّات وعقارب في النار ، والنظرة الحرام نار في العين يوم القيامة ، والكذب عقرب تلدغ اللسان.
وربّنا سبحانه يوزّع مشاهد القيامة على سور القرآن توزيعا ينسجم وموضوعاتها ، فإذا كانت سورة الزخرف تتحدّث عن علاقات الإنسان المادية تجد فيها ما يتناسب وهذا الموضوع ، مثل نهاية العلاقات في الآخرة ، وإنّما يتحدث القرآن الكريم عن الآخرة قبل وبعد كلّ بصيرة يبيّنها ، لأنّ النفس لو تركت من دون التذكرة بالآخرة لطغت ولتجبّرت ، ولم تنتفع بالبصائر ، ولا كيف كانت عاقبتهما. تقول الرواية التاريخية : كان عقبة بن أبي معيط يجالس النبي (ص) فقال قريش قد صبأ عقبة بن أبي معيط ، فقال خليل له يسمّى أميّة بن خلف : وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمّدا ولم تتفل في وجهه ، ففعل عقبة ذلك ، فنذر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قتله ، فقتله يوم بدر جهدا ، وقتل أميّة في المعركة .. قالوا فيهما نزلت هذه الآية» (١) .
ترى هل كانت عاقبة عقبة هذه السوءى لو لم تربطه بأميّة تلك الخلّة القائمة على غير أساس إيماني؟!
(الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)
بلى. لا بدّ للإنسان من صداقة ، إذا فليبحث عمّن يهديه الى الحق ، ويعينه على دينه ودنياه ، هكذا أمرنا الإمام الصادق عليه السلام :
«واطلب مواخاة الأتقياء ، ولو في ظلمات الأرض ، وإن أفنيت عمرك في
__________________
(١) راجع تفسير القرطبي / ج ١٦ ص ١٠٩.