فعلت الأمم السابقة ، فإنّ هذه الآية تبيّن أنّ نبيّنا محمدا (صلّى الله عليه وآله) ليس إلّا عبدا لله ، بل هو أوّل العابدين له ، وكيف يكون العبد ربّا أو ولدا لله؟!
(قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ)
ولا ريب أنّ محمدا أعظم الأنبياء ، فإذا كان هو أذلّ العابدين ، فكيف يكون غيره ابنا لله؟! تعالى الله عما يصفون.
وهكذا نفت الآية الكريمة الشريك عن الله ببلاغة نافذة ، من هنا قال كثير من المفسّرين : انّ كلمة «إن» هنا نافية ، ومعناها : ليس للرحمن ولد. ويبدو أنّ معنى النفي مفهوم من مجمل تركيب الجملة ، وليس من كلمة «إن» .
وروى السيوطي عن ابن عباس أنّه قال (في الآية) : لم يكن للرحمن ولد ، فأنا أوّل العابدين ، وروي عن الحسن وقتادة أنّهما قالا : ما كان للرحمن ولد فأنا أوّل العابدين ، قال : يقول محمد : فأنا أوّل من عبد الله من هذه الأمّة ، وروي عن مجاهد : قل إن كان للرحمن ولد في زعمكم فأنا أوّل العابدين ، فأنا أوّل من عبد الله وحده وكذّبكم بما تقولون. (١)
ومثل هذا روي عن الإمام أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ أنّه قال : «(إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) ، أي الجاحدين» (٢) والتأويل في هذا القول باطنه مضاد لظاهره.
ويبدو أنّ الآية تنفي أيضا الأسس الفاسدة لنسبة الولد الى الله سبحانه ، ذلك أنّهم زعموا أنّ الأعظم مالا يكون الأقرب الى الله ، وتسقط عنه المسؤوليّات ،
__________________
(١) الدّر المنثور / ج ٦ ص ٢٤
(٢) نور الثقلين / ج ٤ ص ٦١٦.