وهذا التفسير يبدو لي واضحا ومتفقا مع سائر الآيات ، كما هو متفق مع تفسير الرعيل الأوّل من المفسّرين .. بينما ذهب السّدّي وتبعه آخرون أنّ معنى الآية : لو كان للرحمن ولد فأنّا أحقّ الناس بعبادة ذلك الولد لأنّي أوّل العابدين ، «فإنّ السلطان إذا كان له ولد فكما يجب على عبده أن يخدمه فكذلك يجب عليه أن يخدم ولده» (١) ولا أستحسن هذا التفسير ، بالرغم من ميل كثير من المتأخّرين اليه ، لأنّه لا ينسجم مع النهج الذي نعهده في بصائر القرآن ، والله العالم.
ويبقى سؤال : كيف ذكر الرسول أنّه أوّل العابدين وقد جاء متأخّرا زمنيّا عن سائر الأنبياء المخلصين في طاعة الله؟
تجيب النصوص الدينية عن ذلك بما يلي :
إنّ نبيّ الله محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أوّل من عبد الله وسبّحه ، وقد جاءت الروايات مؤكّدة على ذلك ، فقد روي :
عن أبي ذر الغفاري عن النبي صلّى الله عليه وآله (في خبر طويل في المعراج ساقه الى أن قال) : «قلت ـ يا ملائكة ربي هل تعرفونا حقّ معرفتنا ، فقالوا : يا نبيّ الله وكيف لا نعرفكم وأنتم أوّل ما خلق الله؟ خلقكم أشباح نور من نوره ، في نور من سناء عزّه ، ومن سناء ملكه ، ومن نور وجهه الكريم ، وجعل لكم مقاعد في ملكوت سلطانه ، وعرشه على الماء قبل أن تكون السماء مبنيّة ، والأرض مدحيّة ، ثم خلق السماوات والأرض في ستة أيّام ، ثم رفع العرش الى السماء السابعة فاستوى على عرشه وأنتم أمام عرشه تسبّحون وتقدّسون وتكبّرون ،
__________________
(١) التفسير الكبير للفخر الرازي / ج ٢٧ ص ٣٣٠