الخلط بين الحق والقوة ، فقد زعموا بأنّ ما عندهم من قوة ظاهرة تغنيهم عن البحث الجاد من أجل الوصول الى الحق والالتزام به.
(يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ)
فأنتم أصحاب القوّة الماديّة والسيطرة الاجتماعية ، ولا أحد ينافسكم ، ولكن هل تبقى هذه القوة وتستمر؟ ثمّ إذا حلّ غضب الله فهو لا يرد.
(فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جاءَنا)
وبالطبع سوف تكون الإجابة على هذا السؤال بالنفي (لا أحد) إذن فما قيمة القوة التي لا تمنع عن أصحابها الأذى؟ وكل هذه الأسئلة والتي ستليها يجمعها سياق واحد هو : محاولة المؤمن من خلالها إثارة الشك المنهجي في النفوس وقيادتها للحق.
ولعل المؤمن أفلح في إيجاد جبهتين في صفّ الحاكمين ، مما دفع فرعون للتدخل من أجل حسم الخلاف وإنهائه لصالحه.
(قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ)
قطع عليهم مسيرة الشك المنهجي والتفكير ، قائلا : إنّكم لا تحتاجون الى التفكير ، ولا أن تروا شيئا ، فأنا أفكّر وأرى لكم ، ولا أرى إلّا الحق ولا أهدي إلّا إليه ، فيجب عليكم أن تسلّموا لي تسليما مطلقا ، وهذا هو ديدن الطغاة في كلّ مكان وزمان ، وبالذات في الدول الديكتاتورية التي يعتقد حكّامها بأنّ صحفهم وإذاعاتهم وبالتالي رأيهم وفكرهم وحده الذي يجب أن تؤمن به الجماهير ، ومن هنا نهتدي إلى أنّ فرعون الذي حاربه موسى لم يكن سوى مظهر من مظاهر الطغيان عبر التاريخ.