ثم انصراف عبد الرحمن بن سمرة فسلم خراسان إلى عبد الله بن خازم السلمي ، ثم ولى معاوية زياد بن أبي سفيان البصرة ، وخراسان ، وسجستان فوجه زياد إلى خراسان الحكم بن عمرو الغفاري (١) صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أميرا فخرج إلى خراسان سنة أربع وأربعين وكان جميل السيرة فاضل المذهب ، وكتب إليه زياد لما افتتح ما افتتح من كور خراسان : أن أمير المؤمنين معاوية كتب إليّ أن اصطفي له البيضاء والصفراء فلا تقسمن شيئا من الذهب والفضة.
فلم يلتفت الحكم إلى كتابه ورفع الخمس وقسم ما بقي بين الناس ، وكتب إلى زياد : إني وجدت كتاب الله قبل كتاب أمير المؤمنين معاوية ولو أن السماء والأرض كانتا رتقا على عبد ثم اتقى الله لجعل الله له منها مخرجا والسّلام.
وكان المهلب بن أبي صفرة أحد رجال الحكم بن عمرو ومات الحكم بخراسان.
ثم وجه زياد الربيع بن زياد بن أنس بن الديان بن قطن بن زياد الحارثي (٢) أميرا على خراسان وكان الحسن البصري (٣) كاتبه ، وولى معاوية خالد بن معمر
__________________
(١) الحكم بن عمرو بن مجدّع الغفاري ، صحابي ، له رواية ، وحديثه في البخاري وغيره ، صحب النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى أن مات ، وانتقل إلى البصرة في أيام معاوية ، فوجهه زياد إلى خراسان ، وكان صالحا فاضلا مقداما ، فغزا وغنم ، وأقام بمرو ، ومات بها سنة ٥٠ ه / ٦٧٠ م ، وفي المؤرّخين من يذكر أن معاوية عتب عليه في شيء فأرسل عاملا غيره فحبسه وقيّده فمات في قيوده.
(٢) الربيع بن زياد بن أنس بن الديان بن قطن بن زياد الحارثي من بني الديان ، أمير فاتح ، أدرك عصر النبوة ، وولي البحرين ، وقدم المدينة في أيام عمر ، وولاه عبد الله بن عامر سجستان سنة ٢٩ ه ، ففتحت على يديه ، له مع عمر بن الخطاب أخبار ، وولاه عبد الله بن عامر سجستان سنة ٢٩ ه ، ففتحت على يديه ، له مع عمر بن الخطاب أخبار ، وكان شجاعا تقيّا ، قال عمر لأصحابه يوما : دلوني على رجل إذا كان في القوم أميرا فكأنه ليس بأمير ، وإذا لم يكن بأمير فكأنه أمير ، فقالوا : ما نعرفه إلا الربيع بن زياد ، فقال صدقتم. توفي سنة ٥٣ ه / ٦٧٣ م في إمارته.
(٣) الحسن البصري : هو الحسن بن يسار ، أبو سعيد ، تابعي ، كان إمام أهل البصرة ، وحبر الأمة في زمنه ، وهو أحد العلماء الفقهاء الفصحاء الشجعان النسّاك ، ولد في المدينة سنة ٢١ ه / ٦٤٢ م وشبّ في كنف علي بن أبي طالب ، واستكتبه الربيع بن زياد والي خراسان في عهد معاوية ، وسكن البصرة ، وعظمت هيبته في القلوب ، فكان يدخل على الولاة فيأمرهم وينهاهم ، لا يخاف في الحق لومة ، وكان أبوه من أهل ميسان مولى لبعض الأنصار. قال الغزالي : كان الحسن البصري أشبه الناس كلاما بكلام الأنبياء ، وأقربهم هديا من الصحابة ، وكان غاية في الفصاحة ، تتصبب الحكمة من فيه ، وله مع الحجاج بن يوسف مواقف ، وقد ـ