من ابتكروا فكرة المدارس ، وإنهم أيضا أول من وقفوا المكتبات ، وذلك أن أول (١) دار للكتب وقفت في الإسلام كانت في البصرة.
وقد كانت المدارس والمكتبات منتشرة في البلاد المشرقية كلها ، في بلاد ما وراء النهر ، وخراسان ، والسّند ، والهند ، والجبال ، وأذربيجان ، وفارس ، والعراق ، والموصل ، وبلاد الروم ، وغيرها. وكان أعظمها ذكرا في العصور المتأخرة قبيل ورود التتار إلى ديار الإسلام ، المدارس والمكتبات في البلاد الخراسانية ، قال ياقوت الحموي عند كلامه على مرو : «ولولا ما عرا من ورود التتر إلى تلك البلاد ، وخرابها لما فارقتها إلى الممات ، لما في أهلها من الرّفد ، ولين الجانب ، وحسن العشرة ، وكثرة كتب الأصول المتقنة بها ، فإني فارقتها وفيها عشر خزائن للوقف لم أر في الدنيا مثلها كثرة وجودة ، منها خزانتان في الجامع إحداهما يقال لها العزيزية وقفها رجل يقال له عزيز الدين أبو بكر عتيق الزّنجاني أو عتيق بن أبي بكر ... وكان فيها إثنا عشر ألف مجلد أو ما يقاربها ، والأخرى يقال لها الكمالية لا أدري إلى من تنسب ، وبها خزانة شرف الملك المستوفي أبي سعد محمد بن منصور في مدرسته ، ومات المستوفي هذا في سنة ٤٩٤ وكان حنفي المذهب ، وخزانة نظام الملك الحسن (٢) بن إسحاق في مدرسته ؛ وخزانتان للسمعانيين ؛ وخزانة أخرى في المدرسة العميدية ؛ وخزانة لمجد الملك أحد الوزراء المتأخرين بها ؛ والخزائن الخاتونية في مدرستها ، والضميرية في خانكاه هناك ، وكانت سهلة التناول ، لا يفارق منزلي منها مئتا مجلد وأكثر بغير رهن ، تكون قيمتها مئتي دينار ، فكنت أرتع فيها ، وأقتبس من فوائدها ، وأنساني حبها كل بلد ، وألهاني عن الأهل والولد ، وأكثر فوائد هذا الكتاب ـ (أي معجم البلدان) ـ وغيره مما جمعته فهو من تلك الخزائن» (٣).
__________________
(١) المنتظم ٩ / ٣ ؛ الكامل ١٠ / ١٨٤.
(٢) هو الحسن بن علي بن إسحاق.
(٣) معجم البلدان ٥ / ١١٤ ـ ١١٥.