الأنصار فبايعوه وصدّقوا به وآمنوا به وبذلوا أنفسهم وأموالهم ، فجعل الله له دار هجرة وسبق من سبق إليه فالحمد لله الذي أكرم محمّدا صلىاللهعليهوسلم بالنبوة.
فلما حج معاوية سامني بداري بمكة فبعتها منه بأربعين [ألف](١) دينار ، فبلغني أن ابن الزبير يقول : ما يدري هذا الشيخ ما باع ليردن عليه بيعته ، فقال : والله ما ابتعتها إلّا بزقّ من خمر ، ولقد وصلت الرحم وحملت الكلّ وأعطيت في السّبيل.
وكان حكيم بن حزام يشتري الظهر والأداة والزاد ثم لا يجيئه أحد يستحمله في السّبيل إلّا حمله.
قال : فبينما هو يوما في المسجد جالس ، جاء رجل من أهل اليمن يطلب حملانا يريد الجهاد ، فدلّ [على](٢) حكيم فجلس إليه فقال : إني رجل بعيد الشقة وقد أردت الجهاد ، فدللت عليك لتحمل رحلتي وتعينني على ضعفي ، قال : اجلس. فلما أمكنته الشمس وارتفعت ركع ركعات ثم انصرف ، وأومأ إلى اليماني فتبعه ، قال : فجعل كلما مر بصوفة أو خرقة أو شملة نفضها فأخذها ، فقلت : والله ما هذا الذي دلني على هذا على أن لعب بي ، أي شيء عند هذا من الخير بعد ما أرى؟.
قال : فدخل داره فألقى الصوفة مع الصوف والخرقة مع الخرق والشملة مع الشمال ، قال : ثم قال لغلام له : هات لي بعيرا ذلولا ، فأتى به ذلولا مرتعا سمينا وقال ابن سعد : إلّا هيأه وأعطانيه ثم دعا بجهاز فشدّ على البعير ثم دعا بخطام فخطمه ، ثم قال : [هل] من جوالقين؟ فأتي بجوالقين ، وأمر لي بدقيق ـ وقال ابن سعد : فجعل منها دقيقا ـ وسويق وعكّة من زيت وقال : انظر ملحا وجرابا من تمر حتى لم يبق شيء مما يحتاج إليه المسافر إلّا أعطانيه ـ وقال ابن سعد : إلّا هيأه وأعطانيه ـ وكساني ثم دعا بخمسة دنانير فدفعها إليّ فقال : هذه للطريق ، قال : فخرجت من عنده ، وكان هذا فعل حكيم.
وكان معاوية عام حجّ مرّ به وهو ابن عشرين ومائة سنة ، فأرسل إليه بلقوح يشرب من لبنها ، وذلك بعد أن سأله فقال : أيّ الطعام تأكل؟ قال : أما مضغ ، فلا مضغ ، فأرسل
__________________
(١) الزيادة عن سير الأعلام وم.
(٢) زيادة للإيضاح.