محمّد بن الحسن ، أنا المعافى بن زكريا (١) ، نا محمّد بن القاسم الأنباري ، نا أبو الحسن بن البراء ، حدّثني حميد بن محمّد الكوفي ، نا إبراهيم بن عبد الله القرشي ، حدّثني محمّد بن أنس صاحب شعر الكميت ، قال : قال حمّاد الرّاوية ، كان انقطاعي إلى يزيد بن عبد الملك ، وكان هشام يقليني (٢) على ذلك ، فلما ولي هشام مكثت سنة لا أخرج فلما لم أذكر خرجت فصلّيت الجمعة وجلست على باب الفيل وهو باب مسجد الكوفة ، فإذا شرطيان قد وقعا عليّ ، فقالا لي : يا حمّاد أجب الأمير يوسف بن عمر ، فقلت : من هذا كنت أحذر ، ثم قلت لهما : هل لكما أن تدعاني آتي أهلي ، فأودعهم وداع من لا يرجع إليهم أبدا ثم أصير معكما؟ قالا : ما إلى ذلك سبيل ، فاستبسلت (٣) في أيديهم ، ودخلت على يوسف بن عمر في الإيوان الأحمر ، فسلّمت عليه ، فردّ علي السلام ، فطابت نفسي بردّه علي السلام ثم رمى إليّ بكتاب فيه :
بسم الله الرّحمن الرحيم. من هشام أمير المؤمنين إلى يوسف بن عمر إذا أتاك كتابي هذا فابعث إلى حمّاد الرّاوية من يأتيك به غير مروّع ولا متعتع وادفع إليه خمس مائة دينار وجملا (٤) مهريا يسير عليه اثنتي عشرة ليلة إلى دمشق.
فأخذت الخمس مائة دينار ، ونظرت فإذا جمل مرحول ، فوضعت رجلي في الغرز (٥) وسرت إحدى عشرة ليلة ، فلما كان اليوم الثاني عشر وافيت باب هشام ، فاستأذنت فأذن لي ، فدخلت عليه في دار قوراء (٦) مفروشة بالرخام ، بين كل رخامتين قصبة من ذهب ، حيطانها على ذلك العمل ، وإذا هشام جالس على طنفسة خزّ حمراء وعليه ثياب خز حمر مضمّخة بالعنبر ، فسلّمت ، فاستدناني حتى قبلت رجله وأجلسني ، فإذا أنا بجاريتين لم أر مثلهما قبلهما في أذن كل واحدة منهما حلقة من ذهب ، فيها جوهرة تتوقد فقال لي : يا حمّاد كيف أنت؟ وكيف حالك؟ قلت : بخير يا أمير المؤمنين ، قال : أتدري لم بعثت إليك؟ قلت : لا ، قال : بعثت إليك لبيت خطر ببالي لم
__________________
(١) الخبر في الجليس الصالح الكافي ٣ / ٣٥٧ والأغاني ٦ / ٧٥.
(٢) الأغاني : يجفوني.
(٣) الجليس الصالح والأغاني : فاستسلمت في أيديهما.
(٤) المهري من الجمال والإبل نسبة إلى مهرة بن حيدان ، وهي حي من قضاعة ، والمهرية نجائب تسبق الخيل. وقيل إنها لا تعدل بها شيء في سرعة جريانها.
(٥) الغرز : ركاب الرحل من جلد.
(٦) واسعة.