أدر من قائله ، قلت : وما هو؟ قال :
فدعت بالصّبوح يوما فجاءت |
|
قينة في يمينها إبريق |
قلت : هذا يقوله عديّ بن زيد العبادي في قصيدة له ، قال : أنشدنيها ، فأنشدته :
بكر العاذلون في وضح الصبح |
|
ح يقولون (١) ما له لا يفيق؟ |
ويلومون فيك يا ابنة عبد الله |
|
والقلب عندكم موثوق |
لست أدري إذ أكثروا العذل عندي |
|
أعدوّ يلومني أم صديق؟ |
زانها حسنها بفرع عميم |
|
وأثيث صلت الجبين أنيق |
وثنايا مفلّجات عذاب |
|
لا قصار ترى ولا هنّ روق (٢) |
فدعت بالصبوح يوما فجاءت |
|
قينة في يمينها إبريق |
ثم كان المزاج ماء سماء |
|
ليس ما آجن (٣) ولا مطروق |
فقال : أحسنت والله يا حمّاد ، يا جارية ، اسقيه ، فسقتني شربة ذهبت بثلث عقلي ، ثم قال : أعد فأعدت ، فاستخفّه الطرب حتى نزل عن فرشه ، ثم قال للأخرى : اسقيه فسقتني شربة فذهب ثلثا عقلي فقلت : إن سقيت الثالثة افتضحت ، ثم قال : سل حوائجك كائنة ما كانت ، قال : كائنة ما كانت؟ قلت : إحدى الجاريتين ، قال : هما لك بما عليهما من حلي وحلل ، ثم قال للأولى : اسقيه ، فسقتني شربة سقطت [معها] ، فلم أعقل حتى أصبحت ، فإذا أنا بالجاريتين عند رأسي ، وإذا خادم يقدم عشرة خدم مع كل واحدة بدرة ، فقال : أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول لك : خذ هذه فانتفع بها في شأنك فأخذتها والجاريتين وانصرفت.
قال المعافى : قد رويت قصة هذا الشعر عن حمّاد أنها كانت مع الوليد بن يزيد ، وفيها ما ليس في هذا الخبر ، وفي هذا الخبر ما ليس فيها ، وجائز أن تكون القصتان جرتا في وقتين فيكونا غير متنافيين ، وقد أثبتنا القصة الأخرى في بعض مجالس كتابنا هذا ، والله أعلم بصواب ذلك.
__________________
(١) الأغاني : يقولون لي ألا تستفيق.
(٢) أي طوال.
(٣) بالأصل : «ليس ماجن» والمثبت عن الجليس الصالح والأغاني.