ثم خرجت فإذا بنفسي لا أستقر في بلد حتى أتيت دمشق.
فبينا أنا ليلة من الليالي ساهرا (١) إذ سمعت ضربا شديدا بجانب بيتي حتى قلقت من سماعه ، فلما أصبحت نقبت الجدار الذي بيني وبين البيت حتى فتحت فيه مقدار ما أبصر بعيني الواحدة.
فلما جنّ الليل وهدأت (٢) الأصوات سمعت الحركة والكلام ، فتأملت ، فإذا شيخ يقول : هاتوا أبا بكر ، فقدمت بين يديه صورة رجل فخاطبها فقال : يا أبا بكر ، فعلت كذا وصنعت كذا وصنعت كذا ، ثم أمرت بضرب الصورة حتى عددت مائتي جلدة ، ثم قال : ارفعوا عنه ، هاتوا عمر فأتي بصورة أخرى فضربت مثل ذلك ثم قال : ارتفعوا عنه ، هاتوا عثمان فأتي بصورة أخرى فضربت مثل ذلك ، ثم قال ارفعوا عنه هاتوا عليا ، فأتي بصورة أخرى فقال : يا علي من اضطرك أن تصعد منبر الكوفة في جمع الناس فتقول : ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر ، ولو شئت لسميت الثالث ، ما الذي أردت بهذا؟ ما حملك على هذا؟ ثم أمر بضربها فضربت أربع مائة جلدة ضاعف عليه الضرب ، ثم قال : ارفعوا عنه.
قال : فقلت في نفسي حمديّة أليس قد قتلت غلاما لا ذنب له وعصيت الله إلى وقتك هذا؟ فلئن يسر لك قتل هذا الشيخ ليتوبن الله عليك من كل ما اكتسبت يداك ثم ترجع إلى أبوي الغلام ، فتعطيهما القود من نفسك.
فأصبحت ولم يكن أول عملي إلّا شحذ سكيني حتى رضيت ، فلما أمسيت إلى قريب من وقت الشيخ في الليل خرجت حتى وقفت على باب الشيخ ، فقرعت عليه بابه ، فقال : من هذا؟ فقلت : أنا جارك في هذا البيت الذي يليك ، فلما فتح الباب ، قلت له : أنا رجل غريب وجئت وقتا فائتا بغير عدة ، وقد أدركني عطش شديد فاسقني فقال : نعم.
فلما ولّى ليأتيني بالماء ، اقتحمت عليه الباب فضربته بين كتفيه بالخنجر أنفذته بها ، ثم صرعته فذبحته وخرجت ساعتي تلك من البيت. فلما أصبحت عزمت على الرجوع إلى مصر لألقى أبوي الغلام فأقر لهما ، فيفعلا فيّ ما أحبّا.
__________________
(١) الأصل «شاهدا» والمثبت عن م.
(٢) الأصل وم : وهدت.