فلما بلغت الشام ركبت البحر ، فنزلت بساحل تنّيس (١) فإذا أنا بأبوي الغلام ، فسلّمت عليهما ، فردّا عليّ السّلام ، وسألاني عن حالي فقلت لهما : إني قتلت ابنكما فاذهبا بي إلى بدر والي تنّيس يأخذ لكما مني القود ، فقالا اذهب معنا إلى البيت فذهبت معهما فوضعا بين يدي طعاما ، فقلت : لهما قد سمّاه لي فأكلت وأكلا معي وأظهرا لي الترحيب والإكرام فعجبت (٢) لذلك.
فقالا لي : فأي عمل نلت عناية رسول الله صلىاللهعليهوسلم بك وشفاعته عندنا فيك؟ قلت : فكيف ذلك؟ فقال أبو الغلام : إني لنائم ذات ليلة ـ وهي الليلة (٣) التي قتلت فيها الشيخ ـ رأيت النبي صلىاللهعليهوسلم فقال لي : أحب أن تهب لي دم ابنك الذي قتل حمديّة ، وأضمن لك على الله الجنة ، فقلت : قد فعلت يا رسول الله فأيقظتني هذه ـ يعني زوجته ـ وأخبرتني أنها رأت رسول الله صلىاللهعليهوسلم في النوم فسألها فيما سألني ففعلت كفعلي ، وخرجنا نلتمسك وقد وهبنا دم ابننا لك ، فاذهب راشدا حيث شئت لا سبيل عليك.
قال علي : فلزم أبي حمديّة بعد ذلك الغزو والجهاد ولم يفارقه ، ولم يأو تحت سقف بيت حتى لقي الله عزوجل رحمة الله عليه.
__________________
(١) إعجامها مضطرب بالأصل ، والصواب عن م ، وضبطت عن معجم البلدان. وهي بلدة من جزائر بحر الروم ، قرب دمياط.
(٢) الأصل وم : فعجب.
(٣) سقطت من الأصل واستدركت على هامشه.