وذبح لنا وهما في ذلك يتحدثان مقبل كل واحد منهما على صاحبه [لا ينظران شدّنا](١) ، حتى كان العشاء فشددنا للرواح نؤمّ أهلنا ، فقال رمّاح للحكم : يا أبا منيع ـ وكانت كنية حكم ـ قد قضيت حاجتك وحاجة من طلبت له في هذا العامل ، وإن لنا إليه حاجة في أن يرعينا ، فقال له حكم : قد والله قضيت حاجتي منه وإني لأكره الرجوع إليه ، وما من حاجتك بدّ ، ثم رجع معه إلى العامل ، فقال له بعد الحديث معه : إن هذا الرجل من قد عرفت ما بيني وبينه ، وقد سأل الصلح ، وأحببت أن يكون ذلك على يدك ومحضرك ، قال : فدعا له عامل ضرية وقال : هل لك حاجة إلى غير ذلك؟ [قال : لا ، والله](٢) ونسي حاجة رمّاح ، فأذكرته إياها ، فرجع فطلبها واعتذر بالنسيان ، فقال العامل لابن ميّادة : ما حاجتك؟ قال : ترعيني عريجاء لا يعرض لي فيها أحد ، فأرعاه إياها. فأقبل رمّاح على حكم فقال : جزاك الله خيرا يا أبا منيع فو الله لقد كان ورائي من قومي من يتمنى أن يرعى عريجاء بنصف ماله ، قال : فلما عزما على الانصراف ودّع كل واحد منهما صاحبه ، وانصرفا راضيين وانصرف ابن ميّادة إلى قومه ، فوجد بعضهم قد ركب إلى ابن هشام واستغضبه على حكم في قوله :
وما ولدت مرّيّة ذات ليلة |
|
من الدهر إلّا ازداد (٣) لؤما جنينها |
فأطرده وأقسم : لئن ظفر به ليسرجنّه وليحملنّ أحدهم عليه ، فقال رمّاح : ـ وساءه ما صنعوا ـ : عمدتم إلى رجل قد صلح ما بيني وبينه وأرعيت بوجهه فاستعديتم عليه وجئتم باطراده ، وبلغ الحكم الخبر فصار إلى الشام ، فلم يبرحها حتى مات.
قال العباس بن سمرة : مات بالشام غرقا ، وكان لا يحسن العوم ، فمات في بعض أنهارها ، قال : وهو وجهه الذي مدح فيه أسود بن بلال المحاربي ، ثم السّوائي في قصيدته التي يقول فيها (٤) :
واستيقنت ألّا رواح (٥) من السّرى |
|
حتى تناخ بأسود بن بلال |
قرم إذا نزل الوفود ببابه |
|
سمت العيون إلى أشمّ طوال |
__________________
(١) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك عن الأغاني ٢ / ٢٩٦.
(٢) ما بين معكوفتين زيادة عن الأغاني.
(٣) الأغاني : «إلّا زاد».
(٤) البيتان في الأغاني ٢ / ٢٩٨.
(٥) الأغاني : أن لا يراح.