دونه ، قال : ففتح لي باب المقصورة ، قال : فدخلت فقمت بين يدي الحكم وهو ساكت ، فقال : أمجنون أنت؟ قال : وما كان في صلاة ، فقلت : أصلح الله الأمير ، هل من كلام أفضل من كتاب الله؟ قال : لا ، قلت : أصلح الله الأمير أرأيت لو أن رجلا نشر مصحفا يقرأه من غدوة إلى الليل أكان ذلك قاض عنه صلاته؟ قال : والله إني لأحسبك مجنونا.
قال : وأنس بن مالك جالس تحت منبره ساكت ، فقلت لأنس : يا أبا حمزة ، أنشدك الله فقد خدمت رسول الله صلىاللهعليهوسلم وصحبته ، أبمعروف قلت أم بمنكر؟ أم بحق ، قلت : أم بباطل؟ قال : فلا والله ما أجابني بكلمة.
قال له الحكم بن أيوب : يا أنس ، قال : يقول لبيك أصلحك الله ، قال : وكان وقت الصلاة قد ذهب ، قال : كان بقي من الشمس بقية ، فقال : احبسوه ، قال يزيد : فأقسم لك يا أبا الحسن ـ يعني للمعلى ـ لما لقيت من أصحابي كان أشد عليّ من مقامي ، قال بعضهم : مرائي ، وقال بعضهم : مجنون.
قال : فكتب الحكم إلى الحجاج أن رجلا من بني ضبّة قام يوم الجمعة ، قال : الصلاة وأنا أخطب ، وقد شهد الشهود العدول عندي أنه مجنون.
فكتب إليه الحجاج : إن كانت قامت الشهود العدول عندك أنه مجنون فخلّ سبيله ، وإلّا فاقطع يديه ورجليه واسمر عينيه واصلبه ، قال : فشهدوا عند الحكم إني مجنون فخلّى سبيله عني.
قال المعلّى بن زياد ، عن يزيد الضّبّي : مات أخ لنا فتبعنا جنازته ، فصلينا عليه ، فلما دفن تنحّيت في عصابة نذكر الله ، وذكرنا معادنا فإنا كذلك إذ رأينا نواصي الخيل والحراب (١) فلما رآه أصحابي قاموا وتركوني وحدي. فجاء الحكم حتى وقف عليّ فقال : ما كنتم تصنعون؟ قلت : أصلح الله الأمير ، مات صاحب لنا فصلينا عليه ، ودفن ، فقعدنا نذكر ربنا عزوجل ونذكر معادنا ونذكر ما صار إليه قال : ما منعك أن تفر كما فروا؟ قلت : أصلح الله الأمير ، أنا أبرأ من ذا المساحة (٢) ، وآمن للأمير من أن أفر ، قال : فسكت الحكم.
__________________
(١) بالأصل «والجواب» والمثبت عن م.
(٢) في المختصر : أبرأ من ذلك ساحة وفي م : أبرأ من ذاك ساحة.