إذ هي إنّما بواسطة عدم شموله للأفراد المخصوصة ، لا بواسطة دخول غيرها في مدلوله ؛ فالمقتضي للحمل على الباقي موجود والمانع مفقود ، لأنّ المانع في مثل المقام إنّما هو ما يوجب صرف اللفظ عن مدلوله ، والمفروض انتفاؤه بالنسبة إلى الباقي ، لاختصاص المخصّص بغيره ، فلو شكّ فالأصل عدمه». انتهى موضع الحاجة (١).
__________________
(١) مطارح الأنظار : ١٩٢.
وفي تقريب ما أفاده الشيخ الأعظم وجهان :
الأوّل : أن يحمل كلامه على إرادة الدلالات الضمنيّة كما يظهر من جواب المصنّف عنه.
وتوضيحه : أنّ تخصيص العامّ وإن كان مستلزما لمجازيّة استعماله في الباقي ، ولكن لا يوجب إجمال العامّ ، لأنّ دلالة العامّ تنحلّ إلى دلالات ضمنيّة متعدّدة بتعدّد الأفراد ، بحيث لو كان أفراد العامّ عشرة ـ مثلا ـ تنحلّ دلالته إلى عشرة دلالات ضمنيّة ، ويستعمل العامّ في كلّ فرد ضمنا. فدلالته على كلّ فرد من أفراده غير منوطة بدلالته على فرد آخر. فلو ورد التخصيص على العامّ إنّما يلزم خروج بعض أفراده من الموضوع له وانتفاء بعض الدلالات الضمنيّة. وأمّا غيره من الأفراد تماما يبقي تحت العامّ ويدلّ عليها العامّ بدلالات ضمنيّة أخر. فإذن لا إجمال للعامّ بعد التخصيص ، فيمكن التمسّك به فيما إذا شككنا في خروج غير ما خرج منه بدليل مخصّص.
وأورد عليه المصنّف رحمهالله بقوله : «قلت ...» : وحاصله : أنّ دلالة العامّ بالدلالات الضمنيّة على كلّ فرد إنّما هي من جهة دلالته على تمام أفراد مدخوله ، فلا استقلال للدلالات الضمنيّة ، بل هي تابعة لدلالة العامّ على تمام أفراد مدخوله ، فترتفع الدلالات الضمنيّة بارتفاع دلالة العامّ على العموم والاستيعاب ، فإذا ورد المخصّص على العامّ ترتفع دلالته على تمام أفراد مدخوله ، وبتبعه ترتفع دلالاته الضمنيّة على كلّ فرد. نعم ، يكون المخصّص قرينة على أنّ العامّ يستعمل في غير معناه الموضوع له مجازا. وأمّا أنّه هل هو تمام الباقي أو سائر مراتب الباقي فلا ظهور للكلام في أحدهما ، بل تعيين تمام الباقي ترجيح بلا مرجّح.
الثاني : ما أفاده المحقّق النائينيّ. وحاصله : أنّ العامّ يدلّ على كلّ فرد من أفراده بدلالة استقلاليّة غير مرتبطة بدلالته على فرد آخر. فدلالته على ثبوت الحكم لكلّ فرد غير منوطة بدلالته على ثبوته لغيره ، بل هي منحلّة إلى دلالات عرضيّة لا ترتبط إحداها بالاخرى ، فإذا اسقطت إحداها عن الحجّيّة بقيت الباقية على الحجّيّة. فوائد الاصول ٢ : ٥٢١.
ولا يخفى : أنّ دعوى دلالة العامّ على كلّ فرد مستقلّا ترجع إلى دعوى استعماله في كلّ فرد استقلالا ، وهو من استعمال اللفظ في أكثر من معنى ، وهو محال.