فبمثل هذه النفوس المملوءة أملا وحزما وثباتا بقيت أدرنة ، وتقدمت الدولة وفازت في هذه الحرب الأخيرة.
وقد عين أحمد جمال باشا بعد إسقاط وزارة كامل باشا محافظا للأستانة ، فأظهر كفاءة مدهشة وحزما متينا وعزما باهرا ، وكان دائم الجولان بين الأستانة وجتالجه يزور الجيش ويبث في أفراده روح النشاط والهمة.
ولما قتل المرحوم شوكت باشا أظهر أحمد جمال باشا حزما كبيرا أعجب به الأوربيون والشرقيون ؛ إذ تمكن من اكتشاف المؤامرات وقبض على المؤامرين في أقل من لمح البصر ، ولما سأله أحد مكاتبي الصحف عن إمكان إعداد الثورة أجابه فورا : إنه لا يجسر أحد بعد اليوم أن يقوم بثورة أو بشغب أو بأي شيء يسمى قياما ما دمت في رأس هذه الوظيفة وما دمت حاكما في الأستانة.
ولا ريب في أن هذا القول هو من جملة الاعتماد على النفس والثقة بالإرادة التي لا يسمى الإنسان نابغة إلا إذا تجسمت هذه المزية في نفسه الكبيرة.
٣ ـ في رأس الفيلق
وقد عين أحمد جمال باشا بعد حين قائدا للفيلق الأول في الأستانة ، فأظهر ما عهد بذاته الكريمة من المقدرة العسكرية الممتازة ، وأذكر أنه كان يبذل قواه لإيصال الجندي العثماني إلى الدرجة التي يتطلبها المجد العثماني الإسلامي ، ويصرف جهده لإفهامه خطورة التبعة الملقاة على عاتقه ، وهو يرغب في أن يكون الجيش العثماني بأسره يشعر بشعور واحد.
إن الشعور الواحد الحساس الذي يود أحمد جمال باشا أن يبثه في نفس الجندي العثماني هو شعور الدين ؛ أي : أن يحترم الجندي دينه ليستطيع الزحف