في العودة
عاد أنور باشا من رحلته من المدينة المنورة إلى دمشق توّا ، وكانت العشائر والقبائل العربية في الإياب كما في الذهاب تحييه ورفيقه جمال باشا تحية الاحترام والإعظام ، وهو يخلع على أمرائهم وينفح فقراءهم ، والألسنة تنطلق بالدعاء له ولدولة الخلافة المعظمة ، وجاء دمشق فقضى فيها يوما ، زار فيه بعض ما فاته من المعاهد ، وزار هو ورصيفه دار شفيق بك القوتلي من أعيان المدينة وكبار تجارها ، ونظرا ما عنده من التحف والعاديات ، فأهدى حضرته لأنور باشا كرسي مصحف كريم من العاج الثمين من صنع دمشق ، وأهدى جمال باشا آنية أثرية نفيسة تذكارا لهذه الزيارة.
وقد منح دولته ناظر الحربية في ذاك اليوم عدة عطايا انطلقت لها الألسن بالشكر ، ومن جملة ما أهداه مصحف كريم خطي لمدرسة دار الحديث الأشرفية التي يتولاها اليوم خاتمة المحدثين الشيخ بدر الدين الحسني ، وأهداه أيضا سبحة نفيسة دليل صلة الود واحترامه للعلماء.
وكان يوم الثلاثاء (٣ جمادى الأولى ١٣٣٤ ه) من أجمل الأيام التي رأتها دمشق الشام ، صحا جوه وراقت سماؤه ، فبزغت الشمس منيرة بأشعتها المنعشة زينات الأعلام التي أقامها الدمشقيون احتفاء ببطلي الإسلام أنور باشا وجمال باشا ، وقد انتشر الناس في شوارع دمشق مع انتشار أشعة الشمس ، فغصت بالسابلة ، والكل وجهتهم طريق الربوة احتفالا بوداع دولة أنور باشا ، وقد اصطف المودعون من جميع طبقات الأهلين من نزل معسكر الجيش الرابع حتى جسر دار الذخيرة ، ومن أمامهم رجال الطرق العلية وطلاب المدارس الرسمية والخصوصية مع موسيقاتهم والجنود النظامية ومتطوعة القادرية والمولوية