في صحراء التيه
لم يترك وكيل القائد الأعظم حضرة أنور باشا دقيقة واحدة من وقته في سياحته تذهب سدى ، بل حصر وكده ؛ شأنه منذ عرف في النظر فيما له مساس باختصاصه الحربي أولا ، ثم الإشراف على المسائل الأخرى في البلاد. أما وجيشنا المنصور على قدم الاستعداد اليوم للزحف على مصر وإنقاذها من براثن محتليها ، فإن بطلنا المحبوب زار صحراء التيه أيضا ؛ لأنها الطريق الموصلة إلى القطر المصري ؛ ليرى هناك ما أحدث من طرق حديدية ومعبدة وآبار ارتوازية وأحواض مياه وحصون ومعاهد عسكرية تبلغ المقصود.
فركب ـ أعزّه الله ـ من مدينة القدس في سيارة هو ورفيقه أحمد جمال باشا إلى بئر السبع ، فأعجب ما رأى من الطرق المعبدة حديثا ، الممتدة على طول الصحراء كما راقته تلك الآبار التي أحدثت لجمع المياه ، وتطهير تلك الصحراء ، وأثنى الثناء الكثير على القائد العام في هذه الديار لتوفره على مد الخط الحديدي بهذه السرعة ، ووصوله إلى الحفير ثناءه على تمديد الطرق المعبدة في تلك المفازة المشهورة برمالها ومعاكسة الطبيعة لها.
ولما بلغ القائد بئر السبع استعرض العساكر المرابطة هناك ، وسرّ بحسن الانتظام والترتيب كما انشرح صدره بالصحة العامة بين الجيش.
حتى إذا وافى القائد بئر السبع تناول طعام الغداء في معسكر القوة السفرية الأولى ، ثم استعرض هذه القوة كلها والاي الأقنجي الآتي من المدينة المنورة ، وفتش أنابير بئر السبع ومعاهدها العسكرية المختلفة وعاد إلى بئر السبع.