وفي عسلوج افتتح شعبة السكة الحديدية التي نجزت حديثا ، والمسافة من القدس إلى بئر السبع ٨١ كيلو مترا ونصف كيلومتر ، ومن بئر السبع إلى بئر حسانا ١٧٢ كيلو مترا ، وهذه أهم المحطات التي يحاذيها الخط الحديدي ، وهي : القدس ، بيت لحم ، خليل الرحمن ، ظاهرية ، بئر السبع ، عسلوج ، حفير العوجا ، قصيمة ، ضيقة ، بئر حسانا. ويجتاز أماكن أخرى ، ولكنها غير مشهورة ، مثل : بير بيرين بين حفير العوجا وقصيمة. وبفضل الطرق المعبدة مؤخرا تيسر أن يقطع المسافة بين بير حسانا وبئر السبع في العودة في مدة أربع ساعات ، وهذه الطريق عملت في مدة وجيزة وبهمة كبرى ، ويرجع الفضل فيها إلى الجيش الرابع الذي جعل فيافي تلك الأصقاع طرقا سالكة ، وكانت من قبل لا يسلكها الطير ولا تصلح لأنواع السير.
وتناول السائح العظيم طعام المساء في قصبة بئر السبع ، وأقام والاي المدينة المعروف بالأقنجي في المساء زينات جميلة ، ولعب بعض أفراده ألعابا خاصة بهم ، ومن الغد ذهب إلى بئر حسانا ، وهناك تناول الغداء بين المعاهد العسكرية المختلفة التي قامت بهمة عالية في برهة وجيزة ، فسرّ من وراء الغاية بما شاهد من مضاء رجال الجيش وأمرائه وضباطه وأفراده ، وفي المساء ركب السيارة إلى بئر السبع ، فقضى الليل فيها ، وقدمت عليه جميع العشائر والعربان المخيمة من قضاء غزة إلى حدود الترعة ، وأنعم عليهم واستمال بإحسانه قلوبهم ، ولعب تلك الليلة والاي الأقنجي ـ وهو الاي عربان الحجاز الذين أتوا من ضواحي المدينة المنورة لمحافظة السواحل ـ بين يديه بالسلاح ، وأنشدوا أناشيدهم باللغة البدوية يمدحون بها شجاعته وثباته وعلو موقعه في نفوسهم ، ويقولون : إنهم يهرقون آخر نقطة من دمائهم بين يديه ، فهش لهم وبش ، وأكرم مثواهم ، وأمر لهم كافة بضيافة جمعت أولهم وآخرهم ، وكان السرور باديا على محياه بما شاهده