في حلب الشهباء
وصل القطار المقل رجل الإسلام أنور باشا إلى مدينة حلب على الطائر الميمون بعد الغروب ، وكان أهلها على اختلاف طبقاتهم يرقبون طلعته الكريمة رقبة هلال العيد ، ولا عجب ؛ فقد كان قدومه عيدا عامّا للبلاد كلها ، فاحتفلت حكومة الشهباء بالزائر الكريم بأقصى ما عندها من أنواع الحفاوة ، فمن كتائب الجند إلى سرايا الشرطة والدرك فالجلاوزة فطلبة المكاتب والمدارس وصنوف الطبقات العلمية والجندية والإدارية ، وفي مقدمتهم عطوفة والي حلب مصطفى عبد الخالق بك ، أما شوقي باشا قائد فيلق حلب فذهب إلى راجو لاستقبال الناظر المعظم ، ولما نزل من القطار حيّا المستقبلين أجمل تحية ، وحلّ في نزل البارون.
وفي المساء أقام والي حلب في هذا النزل ضيافة لدولته ودولة زميله أحمد جمال باشا ، حضرها رجال معية الرجلين ، وأقامت بلدية حلب من الغد في المكتب السلطاني ضيافة فاخرة لضيف البلاد ، حضرها القائد العام ، وقد ألقى الشيخ كامل الغزي من أساتذة الشهباء في الآداب قصيدة غرّاء ، كان لها الوقع الحسن ، وفاه سعادة نافع باشا الجابري ـ عين أعيان هذه المدينة ـ بخطاب تركي رحّب فيه بالقادم الكريم ، وأظهر عواطف الأهالي ، وقال : إن القوم كانوا جميعا في تشوق تام لمشاهدة أنوار هذا البطل ، وإن جميع الأحزاب والفرق منذ إعلان الحرب اجتمعت على مظاهرة هذه الوزارة الحاضرة والقيام بخدمتها ، وأن كل من يقدر على حمل السلاح متطوع أو مرابط في هذه الولايات ، مستعد للقاء كل عدو.