خطاب العلامة أسعد أفندي الشقيري
في مأدبة البلدية
إن الأعداء المحاربين ألقوا من طياراتهم أوراقا ورسائل منوعة مملوءة بالأوهام والأباطيل ، وكان من أهمها أن المسلمين يقلدون تقليدا أعمى كل الحكومات ظهرت عليهم وقبضت على زمام إدارتهم ، فهذا وهم ؛ لأن المسلمين لا يقلدون ولا يخضعون إلا لكتاب الله المنزل على محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، وهذا الكتاب فيه بيان لمعتقداتهم وأحكامهم وسياستهم الداخلية والخارجية وأحوال من قبلهم من الأمم وجميع ما يلزمهم مما ظهر للوجود وما لم يظهر بعد ، ولربما خطر على بال الأعداء أن تأليف الأحزاب والخلع والانقلاب وإدارة الحكومة بهذه الصورة لم يكن في صدر الإسلام ولم يذكر في الكتاب ولا في كلام السلف ، ولو اطلعوا على قوله تعالى في كتابه من أن (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) وعلى ما في سورة الأحزاب من الآيات وعلى التفريق في القرآن بين حزب الله وبين حزب الشيطان لعلموا علم اليقين أن كل حزب بنى مسلكه على أساس شريعة سماوية كان حزبا منسوبا لله ، ومن ابتدع واخترع ولم ينتسب لشريعة ربانية فهو حزب الشيطان.
وقد ثبت عند المسلمين كافة أن الحزب السياسي الذي يدير هذه الحكومة الإسلامية كان عنده قوة عظيمة ، ودخل دار الخلافة عنوة بجيش الحركة ، وكان عنده مجلس من النواب والأعيان يوافقه على فكره ، إلا أنه ما تعرض لخلع الخليفة وننزع السلطة عنه إلا بعد أن استحصل على الفتوى من مشيخة الإسلام ، وتمسك بشريعة سيد الأنام ، وكذلك فعل في إعلان النفير العام والحرب ، فلم يقدم عليها إلا بعد الفتوى الدينية ، ولما أثبت هذا الحكم تمسكه بكتاب الله وشريعة رسول الله أقره المسلمون وعلماؤهم ، وظاهروه على مبادئه