في فلسطين
تتمخض الأيام في كل عصر وحين ، وتلد من النوابغ من يحلون جيد أمتهم وبلادهم ، فيتجدد أو يزيد بهم رونقهما بهاء ورواء ، ولكنها لا تجود في كل وقت وزمن بالنوابغ الأفراد الذين يدهشون زمانهم ، وقد يمر الحين بعد الحين ولا تلد فردا منهم ؛ وأعني بهؤلاء الأفراد : الذين امتازوا بالأعمال النادرة ، أو وقفوا موقفا عظيما في حادث عظيم ، أو رزقوا موهبة مدهشة مثل : أبي بكر في محنة الردة ، وعمر في الفتوحات ، وصلاح الدين في علو الهمة ، وبونابرت في كبر النفس ، وواشنطون في قيادة الجيوش ، ولوثيروس في الثبات على المبدأ ، وأنور وجمال في النهضة والأعمال.
ومن يجهل ذلك العمل العظيم الذي قام به أنور باشا وزملاؤه العظام من إحياء الدستور وتأييده ، بل إحياء الأمة بأسرها ونهضتها ، بل إحياء الإسلام كله ، ومن لا يعرف جهاده بنفسه ومفاداته بكل شيء في سبيل حياة الأمة وسعادتها فقد كادت لو لا نهضته النادرة تتلاشى ، وتندمج في غيرها كما اندمج غيرها من الأمم والشعوب الضعيفة.
إن عمل أنور باشا وزملائه لمن الآيات البينات ، والأعمال العظيمة النادرة التي طبقت الأرض شهرتها فهو ولا أبالغ من الأعمال الصديقية والفاروقية والصلاحية ، وفوق عظمة أعمال نابليون وواشنطون ، إذا لا حظنا الزمان والمكان فوجود أمثال هؤلاء الناس من النوادر الخوارق التي لا تسخو بها الأيام في كل وقت وحين.