فإن صحّ الأثر المشهور : «إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها» فأنور وجمال من هؤلاء المجددين هذا من جهة الأعمال ، أما هما من جهة الأخلاق الفاضلة فليست أعمالهما أعظم من أخلاقهما ، فقد عرف السوريون والفلسطينيون جمالهم وقائدهم ، وقد عرفوا أنور بثباته وإقدامه ومفادته ، عرفوا أنه روح الأمة ومؤسس سعادتها ، عرفوه في مركزه العالي وذروة مجده الشاهقة ، ولكنهم ما عرفوه في أخلاقه الاجتماعية والدينية ، حتى تفضل فزارهم هذه الزيارة ، التي يعدونها أعظم أعيادهم ومبدأ لتاريخ حياتهم الجديدة.
زار حلب وسورية وسمعنا وقرأنا ما قام به سكان تلك الجهات من الاحتفالات الباهرة ، والبهرجة النادرة ، ولا عجب فإنهم يستقبلون محبوبهم وفاديهم ، يستقبلون مخلص الأمة الذي احتفلت له القلوب بين ضلوعها ، وكادت تغرق المقل فرحا بمياه دموعها «من عظم ما قد سرني أبكاني».
زار سورية وما كان لبيخل وهو الكريم النفس والخلق ، بزيارة شقيقتها فلسطين التي تطايرت نفوس أهليها وألقت أشعتها اللطيفة على الخطوط القطارية في طريقه انتظارا لقدومه الجميل ، فزار أولا يافا صباح اليوم الثاني عشر من شهر شباط ، على الحساب الشرقي سنة (١٣٣١ ه) فكان له ولجمالنا وزملائهما من الاستقبال الحافل أحسن استقبال.
لم تكن زيارة مدينة يافا داخلة في خطة سفر القائدين العظيمين صاحبي الدولة أنور باشا وكيل القائد العام ، وناظر الحربية ، جمال باشا قائد الجيش الرابع وناظر البحرية ، ولكن قائد الموقع حسن بصري بك الجابي تجاسر على دولتيهما ودعاهما باسم البلدة فلبيا دعوتها فقابلته بكل ما لديها من وسائط