فما من أمة من الأمم إلا ويعلم الله تفاصيل وكليات الحركة المستقبلية لأفرادها فرداً فرداً ولجماعتها جماعة جماعة ، ويعلم الخط العام الذي ستسير عليه الأمة كلها من البداية وحتى النهاية ، ولأن الله رحيم بعباده ، فإنه يتولى بتوجيهاته الإلهية ترشيد الحركتين الخاصة بکل فرد وجماعة ، والعامة التي تخص الأمة كلها ، لكنه تعالى لا يجبر الجماعة ، ولا يجبر الأمة على فعل شيء ، لأنه لو وقع الاجبار لما كان للثواب أو العقاب معنى ، ولاختلت قواعد الابتلاء الإلهي ونواميسه ، والله سبحانه وتعالى يريد لهذه القواعد والنوامس أن تشق طريقها بموضوعية بدون تأثيرات ، ليكون الثواب عادلاً والعقاب عادلاً ولتتکون المقومات الموضوعية للحكم الإلهي العادل.
لقد أكمل الله دينه ، وأتم نعمته ، ورضي الله بالإسلام ديناً للعرب ولكل خلق الله ونجح الرسول بتحويل العرب من دين الشرك إلى دين الإسلام ، وبإقامة دولة ايمانية وحدتهم ولأول مرة في التاريخ بكلفة بشرية لا تكاد أن تذكر ، وبلغهم الرسول كتاب الله كما أوحي اليه ، وبينه لهم كما أمره ، ولم يترك الرسول امراً من أمور الدنيا والآخرة فيه خير الا ورغبهم فيه ، ولا امراً فيه شر إلا وحذرهم منه ، واتسعت رحمة الرسول ورأفته بالجميع ، ولأن الرسول بشر فسيموت حتماً ، وحتى لا تفسد الأمور بعد موته وحتى لا ينهار ما بناه ، وضع الله سبحانه وتعالى ترتيبات الهية لعصر ما بعد النبوة ، فاختار الله اثني عشر إماماً ليحکموا الأمة من بعد النبي حتى قيام الساعة ، فأهلهم وأعدهم إعداداً إلهياً للقيادة والمرجعية بحيث يکون كل واحد منهم هو الوارث الوحيد لعلمي النبوة والكتاب في زمانه ، وهو المرجع الأوحد ليقول الناس في زمانه بحق ، أنه الأعلم والأفضل والأنقى والأقرب لله ولرسوله ، وأمر الله رسوله أن يعلن للامة أسماء القادة أو الأئمة أو الخلفاء أو النقباء والأمراء الذين اختارهم الله ، ولأن الرسول مأمور ، ويتبع ما يوحى اليه ، فقد سمى للامة قادتها من بعد وفاته ، وتسعة منهم لم يولدوا بعد ، وأمر الله رسوله بأن يعلن للناس بأن طاعة كل واحد من الاثني عشر هي طاعة لله ، ولرسوله ، وموالاتهم هي موالاة لله ولرسوله ، ومعاداتهم هي معاداة لله لرسوله ، والخروج على أي واحد منهم هو خروج على الله ورسوله ، وأكد الرسول كل ذلك وبكل