حقيقة هذا الاعتقاد
من العسير على أي باحث موضوعي ، بل على أي إنسان سوّي الفطرة أن يتصور ولو للحظة واحدة بأن هذا الإجماع العالمي على الفكرة الرئيسة ، قد حدث جزافاً أو أنه وليد وَهْم خرافة أو أسطورة ، أو أن هذا الإجماع كان صدفة!! لأن الثابت بأن هذا الاعتقاد بالفكرة الرئيسة له منابع ومصادر دينية وعقلية وتاريخية وواقعية تؤكده وتؤيده ، وتجمع عليه وتنفي بالضرورة صلة هذه الفكرة الرئيسة بالوهم أو بالأسطورة أو بالصدفة ، ومن الممكن حدوث زيادة أو نقصان أو اختلاط الاجتهاد بالتفاصيل ، أما الفكرة الرئيسة المتثلة بظهور المهدي المنقد ، فهي فكرة أصيلة وصحيحة ومتواترة ، ويعتقد بها أتباع الديانات السماوية الثلاث ، كما يعتقد بها غيرهم من أتباع الملل الأخرى الشائع بيننا ، بأنها غير سماوية ، ويعتقد بها عقلاء وفلاسفة العالم ، ويرسلها الجميع إرسال المسلمات ، ويعتبرها أتباع كل عقيدة جزءاً لا يتجزء من عقيدتهم ، تقرأ معها ، وتحسب عليها. تلك هي طبيعة القوة التي يتمتع بها هذا الاعتقاد.
تعدد أشكال ونماذج هذا الاعتقاد
مع أن كافة العقائد والديانات السماوي منها وغير السماوي قد أجمعت على حتمية ظهور المهدي المنقذ ، وعلى تميز هذا المنقذ ، وقدرته الفائقة على الإنقاذ ، وأن عهده الزاهر هو المأمول ، إلا أنها اختلفت في التفاصيل ، وهذا الاختلاف ناتج عن وضوح فكرة الظهور أو غموضها في أذهان معتنقيها ، فبعضهم يرى بأن مهمة المهدي تنحصر في إنقاذ هذا المجتمع أو ذاك ، فهو منقذ خاص لجماعة من الناس من حيث المبدأ!! بينما يرى البعض الآخر ، بأن مهمة المهدي منصبّة على إنقاذ العالم كله إنقاذاً شاملاً ، وإقامة دولة عالمية ، تصبح أقاليم العالم كله ولايات لها ، وأبناء الجنس البشري ، بمختلف ألوانهم وأعراقهم رعايا لها ، وأصحاب القوة والأمانة من رجال العالم ونسائة هم قادة تلك الدولة وأمرائها. دولة عالمية تحقق العدل المطلق ، والرخاء التام ، والاكتفاء الذي لا عوز معه ، والسعادة لجميع أبناء الجنس البشري ، ولم نر مثل هذه الرؤيا الشمولية إلا في الإسلام ، ربما لأنه آخر الأديان ، ولأنه المرشح بطبيعته ليكون الدين العالمي الأوحد.