فأفراد هذه الفئة المؤمنة هم الذين وقفوا مع النبي في لحظات شدته ، وهم الذين نهلوا علوم النبوة يوماً بيوم ، وطبقوها فصلاً فصلاً ، حتى صاروا هم أساتذة المجتمع وينابيع الدين النقية ، ولما استولت بطون قريش بالقوة والتغلب عل منصب الخلافة واكتشفت أن هذه الجماعة المؤمنة موالية لله ولرسوله ولأهل بيت النبوة ، وأن ولاءها الثلاثي هذا لن يتجزأ لأن هذا الولاء بعرفها هو الدين الحقيقي ، عندئذ أدركت دولة الخلافة خطورة هذه الفئة فنقمت عليها ، وعزلتها تماماً كما عزلت أهل بيت النبوة ، واعتبرت أفرادها غرباء متطرفين ، واعتبرت تعاليمهم خطراً على وحدة الدولة ، ووحدة الأمة ، وحذرت دولة الخلافة افراد تلك الفئة بأنهم إن لم يلتزموا بالطاعة ، وإعلان الولاء للدولة ، ستُسند لهم تهمة مفارقة الجماعة ، وشق عصا الطاعة ، وتفريق الأمة الواحدة وهي جرائم عقوبتها الموت ، وكان واضحاً لأفراد تلك الفئة المؤمنة ، بأن العامة ينتظرون إشاره دولة الخلافة لقتل كافة أفراد هذه الفئة ، وسبي ذراريهم ، ونهب أموالهم ، لأن العامة لا مطمع فعلي لها إلا المال ورضى الخليفة الغالب طمعاً بما في يديه ، وتلك حقيقة فلن يكون لأي فرد من أفراد هذه الفئة المؤمنة أهمية أعظم من علي بن أبي طالب ، أو من فاطمة بنت محمد ، أو من سادات بني هاشم ، وقد سمع الجميع ما حل بهم ، وما آلت إليه أحوالهم من الذل والهوان والعزلة!!
لذلك من الأفضل لأفراد هذه الفئة أن يتجاهلوا تاريخهم الحافل بالأمجاد ، وعلاقتهم الحميمة الخاصة بالنبي ، وأن يتبالهوا ، فيقوموا بدور التلاميذ الذين يسمعون الأستاذه!!!
صحيح أن الأمراء طلقاء لا يفهمون من الدين شيئاً ، وأن أفراد الفئة المؤمنة هم العلماء ، وكان ينبغي أن يكون أفراد الفئة المؤمنة هم الأمراء ، والأساتذة ، الذين يفيضون علومهم على الجميع ، لكن الخليفة الغالب قد قرر الاستعانة بقوة « الطلقاء » وإثم الطلقاء على أنفسهم كما قال عمر بن الخطاب ، فأصبح الطلقاء أمراء ومن حق الأمير أن يطاع وأن يوجه ويقود المأمورين!! وكان بيد دولة الخلافة وأركانها آلية الحكم الخاصة ، فمن يعصي الخليفة الغالب الذي يتربع عملياً على ملك الدنيا ونفوذها ، يتصرف به على الوجه الذي يريد بلا رقيب ولا حسيب ،