وقد وفد إلى مصر عقب انتهاء الدولة الفاطمية أبو القاسم الرعيني الشاطبي الضرير ، المقرىء الشهير المتوفى سنة ٥٩٠ ه وهو صاحب حرز الأمانى ووجه التهاني الذي ما زال إلى اليوم من أهم متون التجويد والقراءات.
ويظهر من عناية الخلفاء الفاطميين بالعلوم الرياضية والفلكية والطبية والجغرافية أن تلك العلوم لا بد أن تكون قد درست في الأزهر في زمانهم ، كما كانت تدرس في دار الحكمة التي أسسها الحاكم بأمر الله سنة ٣٩٥ ه (١٠٠٥ م).
وقد كان الأزهر في زمن الفاطميين موئل الثقافة الدينية ، وكان له الأثر الواضح في تنمية الحياة العقلية والفكرية وتخريج علماء الدين واللغة ، ولكنه لم يكن له أثر في توجيه الحياة السياسية في ذلك العصر ، مثل ما ظهر له ظهورا جليا في الدولة المصرية بعد ذلك.
ولما انقرضت دولة الفاطميين سنة ٥٦٧ ه واستولى صلاح الدين بن يوسف الايوبي على ملك مصر ، أنشأ بالقاهرة مدرسة للفقهاء الشافعية ، وأخرى للفقهاء الماليكية ، ونحي قضاة مصر الشيعة كلهم ، وابتنى خلفاؤه من بعده المدارس المتنوعة والتي خصصت كل مدرسة منها بتدريس علوم خاصة ، وتحولت الحركة والنشاط العلمي في الأزهر إلى تلك المدارس ، وإن لم تنقطع الدراسة فيه ، كما أسلفنا.
وفي زمن الظاهر بيبرس البندقداري من ملوك الجراكسة سنة ٦٦٥ ه أعاد للأزهر حياته العلمية والدينية. وأول ما درس به من مذاهب أهل السنة مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه ، ثم أدخلت اليه المذاهب الأخرى تباعا.
واتجهت العناية الكبرى حينئذ لا تقان تدريس العلوم الدينية بوجه خاص ، وتسابقت همم الفحول في إتقان آلاتها ، من نحو وصرف وبلاغة ، فنبغ بمصر أئمة أعلام يفتخر بهم اليوم العالم الإسلامي أجمع ، كالإمام عز