المدنية إلى جانب العلوم الدينية بصورة منتظمة. فمثلا نرى بين أساتذة الأزهر في هذه الفترة العلامة عبد اللطيف البغدادي يدرس الطب والفلسفة والمنطق مدى حين (١).
بيد أنه لا ريب أن صفة الأزهر الدينية كانت وما زالت تغلب على كل صفة أخرى ، وأن علوم الدين كانت وما زالت خلال العصور تحتل المقام الأول.
وهذه خاصة لم ينفرد بها الأزهر في العصور الوسطى. ذلك أن الحركة العقلية كانت خلال هذه العصور ترتبط في جميع الأمم بالدين أشد ارتباط ، وكانت الأديرة مراكز الدراسة في أوروبا والأحبار هم قادة الفكر. بيد أنه لما تقدمت الحركة الفكرية ، وتسربت النظريات الفلسفية إلى تعاليم الكنيسة ، أخذت سيطرة الدين على حركة التعليم تضعف شيئا فشيئا.
ولم تلبث الجامعة الأوروبية أن نشأت منذ القرن الثاني عشر ثم أخذت تقوى ويشتد ساعدها وتسير نحو استقلالها ، واضطرت الكنيسة أن تناصر هذا الاستقلال ، طالما كان بعيدا عن الاصطدام بتعاليمها وتقاليدها ، وذلك خوفا من أن يقع التعليم تحت سيطرة أمير أو حاكم مطلق يوجهه نحو خصومتها. ولم يأت ختام العصور الوسطى حتى كانت الجامعة الأوروبية قد حققت استقلالها العلمي ، وأخذت تسير نحو النور والحقيقة ، بعيدة عن المؤثرات الدينية والسياسية ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.
وقد كان التعليم الجامعي يميل منذ البداية نحو التخصص ، وكانت الدراسة تجرى تقريبا على نفس الأساليب التي كانت تتبع في الأزهر وباقي المعاهد الإسلامية من الاستيعاب والتخصص ، مثال ذلك جامعة بولونيا التي اشتهرت في القرن الثاني عشر بتوفر أساتذتها وطلبتها على دراسة القانون الروماني ووضع حواشيه الشهيرة.
__________________
(١) ترجمة عبد اللطيف البغدادي في «مناقب الاطباء» لابن أبي صبيعة فيما يرويه عبد اللطيف عن نفسه ، ونفس هذه الترجمة في كتاب «الافادة والاعتبار» لعبد اللطيف.