ومذهب الشيوخ الجامدين ، وكان هذا الصراع نفسه آية حياة وانتعاش وتنبه فكري.
وأنشأ الشيخ عبده في بضع سنين جيلا طموحا للفهم المستقل ، عزوفا عن التقليد يشعر بالكرامة الإنسانية ، ويلتمس المثل العليا في الحياة الدنيا وفي الآخرة. وكان ذكر الشيخ عبده يطير في الآفاق مقرونا بذكر النهضة الإصلاحية التي استرعت الأنظار ، وقد تحركت نوازع الحقد والحسد في أنفس لا ترضى عن الشيخ ولا عن دعوته ، فكادوا له من كل سبيل ، حتى اضطر إلى الاستقالة من منصبه في الأزهر في مارس سنة ١٩٠٥ م ـ المحرم سنة ١٣٢٣ ه.
وتوفي الشيخ في الحادي عشر من يوليو عام ١٩٠٥ ـ ٧ جمادى الأولى ١٣٢٣ ه بعد جهاد طويل في سبيل إصلاح الأزهر ، وفي سبيل الاصلاح الديني والإسلامي في كل وطن عربي ولا سيما في مصر قلب الإسلام الخافق.
بين جمال الدين ومحمد عبده
(١)
كان الأفغاني ومحمد عبده أعظم مصلحين ظهرا في القرن التاسع عشر الميلادي ، حملا رسالة الإصلاح الديني والفكري وكونا مدرسة أدبية وسياسية كان لها أعظم الأثر في تاريخ الشرق الإسلامي.
وعن هذه المدرسة انبعثت روح التحرر والرغبة في التقدم ونضال الاستعمار في جميع البلاد الشرقية والعربية.
وترجع صلة محمد عبده بجمال الدين الأفغاني إلى أول المحرم عام ١٢٧٠ ه ، حيث كان الأفغاني في زيارة قصيرة للقاهرة في طريقه إلى الآستانة منفيا بيد الإنجليز من الهند ، وكان محمد عبده إذ ذاك طالبا بالأزهر.