ومما انفرد به أنه كان قد استخدم كتابا لنقل فتاواه وتولى إرسالها إلى طلابها في مختلف الأقطار ، متحملا مكافآتهم شهريا وأجر ما يرسله بالبريد من الكتب والرسائل.
وقد عرف رحمه الله بالزعامة في علم الأصول ، فكان يرجع إليه جلة العلماء فيما يشكل من مسائله ، ويصادفون لديه لكل مشكلة حلا ، كأنها مرت به من قبل فعالجها وانتهى الى ما يحسن السكوت عليه من أمرها .. وكان خاتم طبقة من العلماء المحققين الذين تميزوا في حياة الأزهر بالتبسط في العقائد ، والتعمق في الفقه ، فانتهت إليه الامانة فيهما حينا من الدهر. كما كان ـ غفر الله له ـ من أشد المعارضين لحركة الإصلاح التي قام بها الامام محمد عبده. دفعه الى تلك المعارضة الثائرة دوافع المنافسة من جهة ، وتحريض أولى السلطان من جهة أخرى ، وكان في الشيخ زكاته شاهدة ودعابة لطيفة ، وطموح إلى مساماة الامام في منصبه ونفوذه وشهرته ، حرك فيه الأخذ بنصيب من الادب والثقافة العامة. ولعله كان أعلم أهل جيله بدقائق الفقه الحنفي ، وأبسطهم لسانا في وجوه الخلاف بين أصحاب الشافعي وأصحاب أبي حنيفة.
وكان ميلاده في المطيعة من أعمال أسيوط في ١٠ محرم عام ١٢٧١ ه ، وشب على الذكاء والعقل وحفظ القرآن المجيد ، ثم حفظ متن الإجرومية في النحو ومتن العشماوية في فقه المالكي وحضرهما على حضرة الأستاذ الشيخ محمد عنتر الكبير والد الشيخ محمد عنتر أحد علماء الأزهر ، ثم طلبت نفسه الشريفة التوجه الى الأزهر لتحصيل العلوم من معدنها فقدم لمصر في أوائل سنة ١٢٨١ واشتغل بالتحصيل مقلدا مذهب أبي حنيفة النعمان ، فحضر على مشاهير الأزهر كالشيخ الدرستاوي ، والشيخ عبد الغني الملواني ، والشيخ عبد الرحمن البحراوي ، والشيخ حسن الطويل ، والشيخ الدمنهوري ، والشيخ المهدي ، والشيخ عبد الرحمن الشربيني ، والشيخ جمال الدين الافغاني حتى حضر غالب الكتب المعتاد قراءتها بالأزهر من فقه ونحو