كان عبد العزيز واسع الأفق في نواح من الحياة كثيرة ، فقد هيأت له ملابساته ـ مع ذكائه وفطنته ـ ان تكشف له كثيرا من حقائقها ، كما دفعته إلى تجربة الأمور وملاحظتها. فاكتسب من وراء ذلك مرانة وخبرة ، وحنكة وحسن بصر بالأمور ومعالجتها. وقد كان منذ صغره شغوفا بأخيه الأستاذ الشيخ المراغى ، يرى فيه نموذجا يقتدى به ، وقد جمعت بينهما ظروف الحياة ، أكثر مما تجمع بين شقيقين. فرحل معه إلى السودان ، وتعلم بكلية غردون. ثم عاد إلى مصر فاندمج في سلك طلاب الأزهر ، مبرزا بينهم حتى تخرج منه بأرقى شهاداته حينذاك. وأرسل في بعثة علمية إلى انجلترا ، فلبث بها زهاء خمسة أعوام ، ازداد فيها علما بالحياة ، ومعرفة بمذاهبها ومآتيها.
وتخصص في دراسة التاريخ الاسلامي وتاريخ الأديان ، وهما من أهم المواد الثقافية صقلا للأذهان ، ودعما للتجارب وتبليغا إلى الحق.
ولما بلغ أخوه الأكبر مرتبة المشيخة الجليلة ، للمرة الثانية ، كان عبد العزيز ـ وبخاصة بعد عودته من انجلترا ـ أشد سواعده القوية ، ومن أقرب مستشاريه إلى نفسه ، فحمل معه شيئا من العبء ، على مقدار طاقته وجهده. وطبعى أن يصبح في ذلك الحين ، موضعا للأمل والآملين ، كما كان محطا للنقد والناقدين.
وقد استطاع عبد العزيز في هذه الحقبة ـ وهو على كثب من أمور الأزهر ـ أن يدرسها ظاهرها وباطنها ، صريحها ومؤولها ، وأن تتكشف له منها مواضع الداء وأن يقدر لها الدواء. ولا أغلو حينما أذكر أن حدب عبد العزيز على الأزهر ، وشغفه به ، وأمله القوي أن يسمق بنيانه ، وترتفع أركانه ، كان شيئا فوق مكنة الطالب الذي يعشق معهده ، ويتعصب له.
وقد عرف فيه إخوانه دماثة الخلق ، والمرح ، وبشاشة الوجه ، وابتسامة الثغر ، وعفة اللفظ ، كما كان مطاوعا لكل ذي حديث ، ولو كان فيه إملال. لا يصده عنه إلا بكيس ورفق ، وربما نعى عليه بعض خلطائه أنه يلقى عدوه كما يلقى صديقه ، فلا برم ولا تنكر ـ وما كانت هذه منه إلا لرحابة صدره