ولقيت بهذه المدينة الشيخ الصالح السائح أبا الحسن الأقصراني ، وأصله من بلاد الروم(١٢٤)، فأضافني وزارني وألبسني ثوبا ، وأعطاني كمر الصحبة وهو يحتبى به فيعين الجالس فيكون كأنّه مستند ، وأكثر فقراء العجم يتقلّدونه.
وعلى (١٢٥) ستّة أميال من هذه المدينة مزار ينسب إلى الخضر وإلياس عليهماالسلام ، يذكر انهما يصلّيان فيه ، وظهرت له بركات وبراهين ، وهنالك زاوية يسكنها أحد المشايخ يخدم بها الوارد والمصادر ، وأقمنا عنده يوما ، وقصدنا من هنالك زيارة رجل صالح منقطع في آخر هذه الجزيرة قد نحت غارا لسكناه ، فيه زاوية ومجلس ودار صغيرة له فيها جارية ، وله عبيد خارج الغار يرعون بقرا له وغنما وكان هذا الرجل من كبار التّجار فحجّ البيت ، وقطع العلائق وانقطع هنالك للعبادة ، ودفع ماله لرجل من إخوانه يتجر له به ، وبتنا عنده ليلة فأحسن القرى وأجمل ، رضي الله تعالى عنه ، وسيمة الخير والعبادة لائحة عليه.
ذكر سلطان هرمز
وهو السلطان قطب الدين تمتهن (١٢٦) بن طوران شاه ، وضبط اسمه بقتح التاءين المعلوّتين وبينهما ميم مفتوح وهاء مسكنة وآخره نون ، وهو من كرماء السلاطين كثير التواضع ، حسن الأخلاق ، وعادته أن ياتي لزيارة كلّ من يقدم عليه من فقيه أو صالح أو شريف ويقوم بحقّه.
ولمّا دخلنا جزيرته وجدناه متهيئا للحرب مشغولا بها مع ابني أخيه نظام الدين (١٢٧) ،
__________________
(١٢٤) يعني ببلاد الروم آسيا الصغرى.
(١٢٥) كمر الصحبة ، بالفارسية (Canard ـ Band) عبارة عن شبه حزام يحتبى به ، فيعين الجالس ويكون بمثابة مستند له على نحو ما نراه إلى الآن مع بعض ملازمي الحرمين الشريفين يساعدهم على الجلوس الطويل. واعتقد أن كلمة (التّزييق) التي استعملها ابن بطوطة في بداية هذا السفر لها علاقة بكمر الصحبة ... ومن اسواق مدينة سيؤون في حضر موت اقتنيت في خريف ١٩٩٢ بعض النماذج من كمر الصحبة!
(١٢٦) قطب الدين تهمتن (وليس تمتهن) شخصية منحدرة من أسرة كانت متنفّذة في المنطقة ، احتلّ هرمز عام ٧١٩ ١٣١٩ بمشاركة أخيه نظام الدّين قيقباد ، ومن سنة ٧٣٠ ١٣٣٠ أو ٧٣١ ١٣٣١ أضاف إلى هذا جزيرة قيس التي تقع جنوب فارس كما أضاف البحرين ومراسي القطيف وماشول. وطوال هذه الفترة ولبضع سنوات لاحقة استمر التناسق بين الأخوين المذكورين. انظر تعليق النّاشرين الأولين : D.S. ج ٢ ص ٤٥٥ ـ ٤٥٦ وانظر كذلك گيب ج ٢ ، ص ٤٠١ تعليق ١٢٣.
(١٢٧) حسب ما اعتدناه من الرحالة المغربي ابن بطوطة نجده أحيانا يمزج بين الزيارتين اللتين قام بهما لهرمز : الأولى التي تمت في محرم ٧٣٢ أكتوبر / نونبر ١٣٣١ ، والثانية التي جرت في صفر ربيع الأول ٧٤٨ مايه ـ يونيه ١٣٤٧ ـ وهكذا فإن قطب الدين تهمتن استولى على الحكم على ما قدمنا عام ٧١٩ ١٣١٩ بمساعدة أخيه نظام الدين قيقباد بيد أن التمرّد والثوره لم تظهر إلا عام ٧٤٥ ه / ١٣٤٥ ١٣٤٤ ، وبما أن موت نظام الدّين كان عام ٧٤٦ ـ ٤٧ ١٣٤٦ فإن ولديه استمرّا في المقاومة انطلاقا من جزيرة قيس إلى وفاة تهمتن في ربيع سنة ٧٤٨ ـ ٤٧ ١٣٤٧ بعد مرور ابن بطوطة بقليل حيث توفر على هذه المعلومات عند الزيارة الثانية.