الفتيان إلى الشيخ شهاب الدين الحمويّ وتكلّم معه باللّسان التركيّ ، ولم أكن يومئذ أفهمه (١٩) ، وكان عليه أثواب خلقة وعلى رأسه قلنسوة لبد ، فقال لي الشيخ : أتعلم ما يقول هذا الرجل؟ لا أعلم ما قال ، فقال لي أنّه يدعوك إلى ضيافته أنت واصحابك فعجبت منه وقلت له نعم ، فلمّا انصرف ، قلت للشيخ : هذا رجل ضعيف ولا قدرة له على تضييفنا ولا نريد أن نكلّفه ، فضحك الشيخ ، وقال لي : هذا أحد شيوخ الفتيان الأخيّة ، وهو من الخرّازين ، وفيه كرم نفس وأصحابه نحو مائتين من أهل الصناعات قد قدّموه على أنفسهم وبنوا زاوية للضيافة وما يجتمع لهم بالنّهار أنفقوه بالليل.
فلمّا صلّيت المغرب عاد إلينا ذلك الرجل وذهبنا معه إلى زاويته فوجدنا زاوية حسنة مفروشة بالبسط الروميّة الحسان ، وبها الكثير من ثريّات الزجاج العراقي.
وفي المجلس خمسة من البياسيس والبيسوس شبه المنارة من النحاس له أرجل ثلاث وعلى رأسه شبه جلّاس من النحاس وفي وسطه أنبوب للفتيلة ، ويملأ من الشّحم المذاب ، وإلى جانبه آنية نحاس ملأى بالشحم وفيها مقراض لإصلاح الفتيل ، وأحدهم موكّل بها ، ويسمّى عندهم الجراجي (٢٠).
وقد اصطفّ في المجلس جماعة من الشبّان ولباسهم الأقبية (٢١) ، وفي أرجلهم الأخفاف ، وكل واحد منهم متحزّم ، على وسطه سكّين في طول ذراعين ، وعلى رؤسهم قلانس (٢٢) بيض من الصوف ، بأعلى كلّ قلنسوة قطعة موصولة بها في طول ذراع وعرض أصبعين ، فإذا استقرّ بهم المجلس نزع كلّ واحد منهم قلنسوة ووضعها بين يديه ، وتبقى على رأسه
__________________
(١٩) يعلّق گيب على هذا بأن ابن بطوطة في قوله" يومئذ" انما كان يتبجح! والا فإنه لم يكن في استطاعته أن يعرف التركية حتى فيما بعد ...! لكن يبدو لنا من خلال تتبّع الرّحالة المغربي أنّه ، على العكس من ذلك ، أمسى بالفعل يتوفر على نصيب من هذه اللغة ولو أن بضاعته في الفارسية كانت أكثر وأوفر على ما نرى ...
(٢٠) كلمة البيسوس من أصل فارسي PIH ـ SUZ ، وكذلك كلمة الجراجي فإن أصلها شيراغجي (Chiraghji) ، والمصباح يحمل اسم جراغ (CHIRACH).
(٢١) جمع قباء : لباس فضفاض ،
خاط لي عمرو قباء |
|
ليت عينيه سواء!! |
(٢٢) أصبحت القلانس فيما بعد هي الشعار الذي اتخذه الجيش الانكشاري للإمبراطورية العثمانية على ما يذكر ...