أحضر الطعام فأكلنا وقال : تكونون في ضيافتي ، فقال له الفتى أخي جلبى ، إنّهم لم ينزلوا بعد بزاويتي ، فليكونوا عندي وضيافتك تصلهم ، فقال : افعل ، فانتقلنا إلى زاويته وأقمنا بها ستّا في ضيافته وفي ضيافة الأمير ، ثم بعث الامير بفرس وكسوة ودراهم ، وكتب لنوّابه بالبلاد أن يضيفونا ويكرّمونا ويزوّدونا.
وسافرنا إلى مدينة أماصبية ، (٧٢) وضبط اسمها بفتح الهمزة والميم والف وصاد مهمل مكسور وياء آخر الحروف مفتوحة ، مدينة كبيرة حسنة ذات أنهار وبساتين وأشجار وفواكه كثيرة وعلى أنهارها النواعير تسقى جنّاتها ودورها ، وهي فسيحة الشوارع والأسواق ، وملكها لصاحب العراق ، وبقرب منها بلدة سونسى (٧٣) ، وضبط اسمها بضم السين المهمل وواو مدّ ونون مضموم وسين مهمل مفتوح ، وهي لصاحب العراق أيضا ، وبها سكنى أولاد وليّ الله تعالى أبي العبّاس أحمد الرفاعي ، منهم الشيخ عزّ الدين ، وهو الآن شيخ الرواق ، وصاحب سجّادة الرفاعي ، واخوته الشيخ عليّ والشيخ ابراهيم والشيخ يحيى أولاد الشيخ أحمد كوجك ، ومعناه الصغير ، ابن تاج الدين الرفاعي (٧٤) ونزلنا بزاويتهم ، ورأينا لهم الفضل على من سواهم.
ثم سافرنا إلى مدينة كمش (٧٥) وضبط اسمها بضم الكاف وكسر الميم وشين معجم ، وهي من بلاد ملك العراق مدينة كبيرة عامرة يأتيها التجار من العراق والشام ، وبها معادن الفضّة ، وعلى مسيرة يومين منها جبال شامخة (٧٦) وعرة لم أصل إليها ، ونزلنا منها بزاوية الأخي مجد الدين، وأقمنا بها ثلاثا في ضيافته ، وفعل أفعال من قبله ، وجاء إلينا نائب الامير أرتنا وبعث بضيافة وزاد.
__________________
(٧٢) تقع أماصيا على بعد ١٤٠ ك. م شمال غربي سيواس على نهر (YESILIRMAK) حيث إنها كانت ـ في بداية القرن الرابع عشر ـ تابعة لغازي شلبي ملك صنوب على ما ياتي وستلحق ابتداء من تاريخ ٧٤١ ١٣٤١ بمملكة أرتنا.
(٧٣) المدينة الحالية (SONUSA) على بعد ٥٠ ك. م على الطريق شرق أماصيا في سافلة نهر (Yesil Irmak).
(٧٤) كانت المنطقة محكومة أثناء القرن الثامن الهجري القرن الرابع عشر الميلادي من لدن أسرة تدعى : " أبناء تاج الدين" وقد كان سلطانهم على ذلك العهد يسمى تاج الدين دوغان شاه ـ ٧٤٨ ١٣٠٨ ـ ١٣٤٨ ٧٠٨ ، بيد أنه من الصعب أن نجد علاقة ، أيّ علاقة مع الرفاعيين المذكورين من لدن ابن بطوطة ، والذين لا تعرف صلاتهم بهذه المنطقة ، فهذه إفادة من الإفادات التي استأثر بها ابن بطوطة ، ربما كان استقاها عند اجتماعه بعز الدّين في إيزمير ، هذا وقد سبق أن الشيخ أحمد بن علي الرفاعي مات ولم يخلف وان العقب كان لأخيه ، حول الرفاعي ، انظر ج ١ فصل ٥ تعليق ٢٨.
(٧٥) (كومش) أوگوموشان Gumusane يوجد على بعد اكثر من ٦٠ ك. م شرق سونسي ، ومن المفروض أن لا يصلها المرء الا انطلاقا من طرابزون أو من بايبورطBaiburt ٧٠ ك. م. شرقيها.
(٧٦) جبال شمال شرق أنطاليا عبارة عن سلسلة تبتدئ مع كلاط داغ Kolat Dagh.