وانصرف فقال لي المدرّس : أتدري ما ذا قال؟ قلت : لا أعرف ما قال ، قال : إن السلطان بعث إليّ ليسئلني : ما ذا يعطيك؟ فقلت له؟ عنده الذهب والفضّة والخيل والعبيد فليعطيه ما أحبّ من ذلك ، فذهب إلى السلطان ثم عاد إلينا فقال : إن السلطان يأمر أن تقيما هنا اليوم وتنزلا معه غدا إلى داره بالمدينة.
فلمّا كان من الغد بعث فرسا جيّدا من مراكبه ، ونزل ونحن معه إلى المدينة فخرج الناس لاستقباله ، وفيهم القاضي المذكور آنفا وسواه ودخل السلطان ونحن معه فلمّا نزل بباب داره ذهب مع المدرّس إلى ناحية المدرسة ، فدعا بنا وأمرنا بالدخول معه إلى داره فلمّا وصلنا إلى دهليز الدّار وجدنا من خدّامه نحو عشرين ، صورهم فائقة الحسن ، وعليهم ثياب الحرير ، وشعورهم مفروقة مرسلة ، وألوانهم ساطعة البياض مشربة بحمرة ، فقلت للفقيه : ما هذه الصور الحسان؟ فقال : هؤلاء فتيان روميون ، وصعدنا مع السلطان درجا كثيرة إلى أن انتهينا إلى مجلس حسن في وسطه صهريج ماء وعلى كلّ ركن من أركانه صورة سبع من نحاس يمجّ الماء من فيه ، وتدور بهذا المجلس مصاطب متّصلة مفروشة ، وفوق إحداها مرتبة السلطان ، فلمّا انتهينا اليها نحّى السلطان مرتبته بيده ، وقعد معنا على الأنطاع وقعد الفقيه عن يمينه ، والقاضي ممّا يلي الفقيه وأنا ممّا يلي القاضي ، وقعد القرّاء أسفل المصطبة والقرّاء لا يفارقونه حيث كان من مجالسه ثم جاءوا بصحاف من الذهب والفضّة مملوّة بالجلّاب المحلول ، قد عصر فيه ماء الليمون وجعل فيه كعكات صغار مقسومة ، وفيها ملاعق ذهب وفضّة ، وجاءوا معها بصحاف فيها مثل ذلك ، وفيها ملاعق خشب فمن تورّع استعمل صحاف الصينيّ وملاعق الخشب ، وتكلّمت بشكر السلطان ، وأثنيت على الفقيه وبالغت في ذلك فاعجب ذلك السلطان وسرّه.
حكاية [الطبيب اليهودي]
وفي أثناء قعودنا مع السلطان أتى شيخ على رأسه عمامة لها ذؤابة فسلّم عليه ، وقام له القاضي والفقيه وقعد أمام السلطان فوق المصطبة والقراء أسفل منه فقلت للفقيه : من هذا الشيخ؟ فضحك وسكت ، ثم أعدت السؤال ، فقال لي : هذا يهوديّ طبيب ، وكلّنا محتاج اليه!